-
بقلم / أ.د. غازي بن غزاي العارضي
-
جميع مقالات الكاتب
-
توجيهي
قليلون هم الذين يواجهون الحقيقة بشجاعة وفروسية وإنصاف ، ويقلبون ظهر المجن للمجاملة وتسطيح الأمور ، وخاصة حين البحث المضني عن الحقيقة بين خلجات النفس وأزيز المشاعر، وذلك بإزالة جميع الأقنعة الزائفة والمظاهر الكاذبة ، التي تستدرج الحمقى والمغفلين إلى سراب الغرور والوهم ، لاسيما إذا كان الإتكاء بعيدًا كل البعد عن تمييز وتمحيص المعايير الشرعية الدقيقة، والموازين الربانية الثابتة، التي تكشف الزائف من الأصيل ، والحقيقة من الوهم ،واحسب أن النظر الفاحص في تحصيل فريضة الصيام بعللها المنصوصة وحكمها الظاهرة ضرورة شرعية مقصودة ومرادة من الشارع الحكيم ، لرصد وتقفر علته المنصوصة التي لاخيار لأحد في تجاهلها وتهميشها ، نظر اًلما تستلزمه من تغيير جذري في سلوك الصائم الأخلاقي وتغيير أنماط شخصيته نحو الحسن والأحسن ، مما يتسق شرعاً ومنطقا وعقلاً مع مراد الله عزوجل من تشريع عبادة الصيام، والتي تمثل بوصلة السالكين الجادين السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين .
والسؤال الآتي المهم:
هل خرجنا بصومنا هذا الشهر من ذنوبنا وعيوبنا التي أكل عليها الدهر وشرب ،واستحالت مع رحلة العمر إلى أمراض مزمنة، وطباع متأصلة تتسم بطابع الثبات والديمومة والجمود وعدم الانفكاك عنها ،بما يشبه المرض المزمن الميؤوس الشفاء منه، والذي بلغت ببعضهم غصص الحناجر ،وكتم الأنفاس، وتجرع زفرات الموت الزوآم عند الرحيل الأخير ،وليس من حق أحد أن يزكي نفسه أو يسبغ ثوب العصمة على أحد كائناً من كان ،أو يصرف صكوك الغفران لأي قبيل كان ، بيدان التعامل مع النصوص الشرعية تستلزم القراءة الموضوعية المتأنية والجادة لمعرفة مراد الله عزوجل المتناغم والمتسق مع العلة المنصوصة في تشريع الصيام ، وهي محل اتفاق علماء الأصول بما يشير إلى أنه مراد الله عزوجل بالاتفاق، وقد وردت العلة في ابتداء تشريع الصيام بقوله تعالى ( لعلكم تتقون ) وفي أثناء الصيام( لعلكم تشكرون) ، وفي خاتمة الصيام ( لعلهم يرشدون ) ونص الآيات تستلزم من الصائم الوصول إلى رتبة الرشد في نهاية المطاف، باعتبارها، المحصلة النهائية والثمرة اليانعة لصيامه لمطلبي التقوى والشكر.
والسؤال المهم الآخر:
ماهي حال المكلف الذي مر على صيامه 20 يوماً، ولا زال يحمل جراثيم الِكبر، والتعصب، والعنصرية، والتحزب، وسوء الظن ، والحسد، والحقد، وبذاءة اللسان، والغيبة، والظلم والكذب، وخيانة الأمانة، وإساءة الجوار ، وعقوق الوالدين وقطعية الرحم، والريا الخ؟؟؟
هل من حقنا أن نصارحه بالحقيقة بما لابُد مما ليس منه بُد، بأنه يعيش في وهم الغرور، وتجليات الإعجاب ، وسراب الوهم ….
بيدان العشر الأواخر كفيلة بتغيير المعادلة رأسًا على عقب متى صحة النيات وصدقت العزائم ، بما يثبت معجزة الإيمان الحق في التغيير الجذري في حياة المؤمن المخلص الصادق الفقيه بين عشية وضحاها كما كان سابقاً في حياة سلفنا الصالحين ، متى توفرت النوايا الصادقة، والعزم الأكيد، والفقه الرشيد .
كَمْ غِرّ مخدوعٍ أُصيبَ على المدى *** بِالوَهمِ دوماً لايَريمُ إلى الهُدى
بينَ السَّرابِ وعُشّاقِ الهوى *** نسبٌ القرابةِ والمصيرِ المُعتدَى
فاحفظْ لِصومِكَ أن يُنالَ بِسَوءَةٍ *** مِن كلِّ مُوبقةٍ تَسوقُ إلى الرَّدى
ماصامَ مَنْ نَطقَ الحِزايةَ والخنا *** وتباعدَ الأخلاقَ عن وَصْفِ الندى
أضف تعليقك...