• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الخميس 2018-06-28

لماذا الوحدة الوطنية؟

  • تسجيل اعجاب 1
  • المشاهدات 560
  • التعليقات 0
  • Twitter
لماذا الوحدة الوطنية؟
  1. icon

    بقلم / أ.د. غازي بن غزاي العارضي

  2. icon

    جميع مقالات الكاتب

  3. icon

    توعوي

من الملاحظات الجديرة بالدراسة والفحص، في حماية الكائن الحي تداعي عناصره وقواه الأساسية في مواجهة الصائل المعتدي، من خلال وحداته البيولوجية والفيسيولوجية التي تساعده على البقاء ومواجهة الصائل المعتدي، ولم يزل العقل البشري يلتمس جوانب القوة ووحداتها في الكائنات الأخرى، ويحاول الإستفادة من رصد قوانينها وتتزيلها في مختلف المجالات البشرية، والتي لا يمكن أن تنتج القوة إلا باتحاد أطرافها كالسالب والموجب، والنيترون والبرتون والالكترون، لابل قامت عدد من الفلسفات المنهجية على صراع الأضداد أو قانون الديالكتيك الذي تجتمع نهايتها في وحدة الاضداد، وأخذت فيما بعد طابعاً فكرياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً في عدة مجالات واتجاهات متنوعة، ومما يتصل ببحثنا نلحظ تجيير هذه القوانين لدى الأمم الحية والواعية، إلى معاني التسامح وقبول الآخر والتنوع والتعددية والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد، وفق قوانين صارمة لا تسمح بالبغي والاعتداء، بخلاف الأمم المتخلفة (الهوتو والتوتسي أنموذجاً) التي لم تستطع أن تتصالح مع نفسها، وأقامت صراعات ومعارك ايديولوجية وكلامية وفكرية متكلفة، وحروباً دموية ذهب ضحيتها الملايين من البشر، التي لم تجد مدفناً لها، سوى بحيرة فيكتوريا، دون ملاحظة اختلاف المدارك، وتجدد المعلومات، وتنوع التخصصات ومصادمة ما اكتشفه الإنسان المعاصر من سنن الله في الكون والحياة ،حيث أبدع الخالق العظيم هذا الكون على التناغم والوحدة المتكاملة، بين عناصره ومكوناته، بحيث لا يبغي بعضها على بعض.

ومنذ فجر البشرية الأولى، تكونت نواة الوحدة البشرية من الزوجين (آدم وحواء عليهما السلام ) وكان أول تحد لهما كانت الخصومة المفتعلة من جانب ابنهما العاق قابيل، إذ أوقع أول شرخ اجتماعي في أسرته الصغيرة، حين ذهب بروح أخيه هابيل قتلاً متعمداً بلا مسوغ شرعي ولامنطقي، سوى إشباع نزوة النفس الملوثة بالحسد والتشفي والانتقام، وتتابعت رسالات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وتركزت مهمتهم في أمرين كبيرين :

1- إصلاح عقيدة أقوامهم وأوطانهم، باعتبارها محور الوحدة والاجتماع، وبدونها ينفرط عقد قوتهم واتفاقهم.

2- الاهتمام الكبير بمعالجة انحرافاتهم السلوكية والاجتماعية والاقتصادية، ألا ترى أن اختيار النبي من قومه ومخاطبتهم بلغتهم، كان له مغزاه وحكمته كما قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) ؟؟؟ وبهذا الوضوح تسقط مقولة تعارض الدين الحق مع مفاهيم الوطنية والقومية بمعانيهما الصحيحة، وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة تتجلى أروع معاني الوطنية والقومية السوية، فقد شارك عليه الصلاة والسلام بفاعلية في معالجة هموم وطنه وقومه، فانضم في حرب الفجار إلى أعمامه في الدفاع عن موطنه (مكة)، وعلى يده المباركة حُلت أزمة الصراع الذي انفجر بين قبائل قريش حول من يحظى بشرف وضع الحجر الاسود في مكانه، والتي كادت أن تشعل حرباً أهلية، وشهد عليه الصلاة والسلام حلف الفضول وقال: لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت، وفي العهد المدني رسّخَ عليه الصلاة والسلام معالم الوطنية الراسخة في دولة النبوة، عبر منظومة من الإجراءات المترابطة، يأتي في طليعتها المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وتوقيع اتفاقية المدينة مع اليهود، التي ضمنت حقوقهم الدينية والمدنية، مقابل الوفاء بشروط المواطنة الصالحة، ومثّل الصحابة رضوان الله عليهم لوحة خالدة من ألوان قوس قزح النسبية والتخصصية، ورغم ظهور التخصص المبكر بين أصحابه فمنهم النسّابة، والشاعر، والقائد العسكري، والخطيب، والفقيه، والفرضي، والمحدث، والتاجر فلم تظهر بينهم ما نراه اليوم من حروب صبيانية مفتعلة، بل كمّل بعضهم بعضاً، وأسند بعضهم بعضاً، وكان هذا التنوع بمختلف أطيافه مصدر إثراء وقوة واجتماع لذلك الرعيل المبارك.

وتتعاظم الوحدة لوطننا العزيز مقارنة بأهم من غيره، إذ لا تحتمل وحدته أي اهتزاز أو ضعف، نظراً لاعتبارات عدة لا يسع المقام لعرضها، بيد أن معطيات التاريخ، ومشكاة الشريعة، ومخرجات الواقع، تؤكد جميعها خصوصية هذه البلاد وأهمية وحدتها وخطورة انفراط عقدها، التي لا تقف خطورتها عند حدودها، بل تتجاوز الفضاء العربي والإسلامي إلى العالم الآخر، فهي مصدر الإلهام البشري الحق نحو الهدى  والسلام، متى عرف مواطنوها قدرهم الذي اختارهم الله له!!!، كما عرف أسلافهم الاولون مسؤوليتهم في إنقاذ العالم من براثن الوثنية، وضيق الدنيا، وجور الأديان.

وثمة شروط أساسية لتقوية وحدتها ومتانة لحمتها من أهمها:

1- إنهاء الخلاف بين النخب الدعوية والأدبية والفكرية، والالتفاف حول القيادة  السياسية والمرجعية الشرعية، ومراعاة المصالح العليا للوطن.

2- الاتفاق على القواسم المشتركة: من اجتماع الكلمة، ورص الصفوف، وأداء الحقوق ،والولاء للقيادة السياسية والمرجعية الشرعية.

3- إدراك خطورة إطلاق العنان لحظوظ النفس, وتصفية الحسابات الشخصية والفئوية، وتسجيل المواقف من أجل المصالح، وإشباع روح الإنتقام والتشفي، على حساب الوطن ومكتسبات وحدته.

4- استبطان النوايا الحسنة، والتخلي عن الروح التشاؤومية، التي تولد الخلافات والأزمات التي يقف وراءها التصنيف وسوء الظن.

5- اتباع الطرائق الحضارية في معالجة الإنحرافات, سواء من خلال الحوار البناء، أو التناصح الأخوي، أو رفع الدعاوى إلى المحاكم إن استدعى الأمر ذلك.

إن بلادنا مستهدفة أكثر من أي وقت مضى في مقدساتها وثرواتها وأمنها وشبابها ونسائها، ومكتسبات وحدتها، وهناك من يراهن على مآلات  خطيرة، ويضع لها سيناريوهات مأسوية، تعكس نواياهم الشريرة، وأحقادهم الدفينة، ومن بدهيات معطيات دروس التاريخ كله وما يحتويه من مضامين، إن الاعداء التقليدين والطارئين ، لا يستطيعوا تحقيق أي اختراق مالم يجدوا عضواً رخواً في الجسد الوطني، ومدخلاً ووليجة، لبث سمومهم وتحقيق مخططاتهم الشيطانية، واقترح بناء استراتيجية للوحدة الوطنية قابلة للتنفيذ، يتولى صياغتها كوكبة من المتخصصين من ذوي الكفاءة والثقة والولاء، والخبرة والحلم والأناة، والتجرد والاستقلالية وسعة الأفق وبُعد النظر، لتكون حصناً منيعاً تتكسر على جدرانها، موجات التآمر والخيانة، والجهل، والتهوك في الشبهات والأغلوطات.

أضف تعليقك...

 
  • 5064 زيارات اليوم

  • 48630878 إجمالي المشاهدات

  • 3011850 إجمالي الزوار