-
إعداد / حسين محمد المناعي
-
اجتماعي
إن الشريعة الإسلامية شريعة تكافلية عامة شاملة تراعي جميع العباد قويهم وضعيفهم، كبيرهم وصغيرهم، ولتنوعهم وإختلافهم في معايشهم وأرزاقهم، يقدر الله سبحانه وتعالى من الأسباب ما يفرج به على بعض عباده، ويقدر على آخرين أن يكونوا دون ذلك، فهو سبحانه: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص: 82]، فهو سبحانه يعطي ويمنع لحكمة، وتفضلا على من أنعم عليه.
فلهذا راعت الشريعة جميع أصناف المجتمع حتى ممن يشكوا الضعف، وقلة ذات اليد فلم تهملهم بل حثت على السعي في أمورهم، والتفريج عن كربهم، والتوسعة عليهم بأوامر عديدة لا تضر الساعي، ولا تثقل عليه وتحقق المقصود للمسعي له وكما راعت ذلك بالحث والأمر راعته بالنهي فحذرت من نهر طالب الإحسان أو اتباع الإحسان بالمن والأذى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264] و قال: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى:10].
ومن تلك الأصناف التي حث الشارع على السعي في أمورهم الأرملة والمسكين، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» وأحسبه قال: «كالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر» [متفق عليه].
قال العلماء: الأرملة من لا زوج لها؛ سواء كانت تزوجت من قبل أم لا، وقيل: هي التي فارقت زوجها، وهذا أكثر استعمالًا، وقال ابنُ قتيبة رحمه الله: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال؛ وهو الفقر وذهاب الزاد بفقْد الزوج، يُقال: أرمل الرجل إذا فقد زاده فالأرملة التي لا يوجد لديها من يسعى ويكد لأجل تحصيل احتياجاتها؛ لأن المرأة جبلَت على الضعف، ومهما كان بيدها من مال فإنها مع كل ذلك جاءت الشريعة مؤكدة على القيام بحقوقها وخدمتها ورعايتها، وخاصةً أن معترك الحياة يوجب وجود عزم قوي في اعتراك هذه الحياة، والسعي في تحصيل الأقوات.
وأما المسكين فهو: من يجد معظم الكفاية، أو نصف الكفاية مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مكسبه أو غيره خمسة فما زاد.
قال ابن بطال رحمه الله: مَن عَجزَ عن الجهاد في سبيل الله، وعن قيام الليل وصيام النهار، فلْيَعملْ بهذا الحديث، وليَسْعَ على الأرامل والمساكين، لِيُحْشَر يوم القيامة في جُملة المجاهدين في سبيل الله.
ومما أنشده أبو طالب في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
(ثمال اليتامى) أي: مطعمهم وقائم بأمرهم و(عصمة للأرامل) أي: حافظهن ومانعهن مما يضر.
وكان جعفر يسمى بأبي المساكين لجلوسه معهم والسعي في أمورهم، فعن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: "كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - كنت إذا سألته عن مسألة لَم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء، أطعمينا، فإذا أطعمتنا أجابَني، وكان يحبُّ المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكنيه بأبي المساكين.
وكان الحسن سبط رسول - الله صلى الله عليه وسلم - يقوم على رعاية مائة بيت بالمدينة، ولم يعلم أحد بذلك إلا عندما توفي.
وفي الختام قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».
أضف تعليقك...