-
بقلم / رغداء بنت أحمد المحمد
-
جميع مقالات الكاتب
-
توعوي
سيدق الحظ بابك قريباً، وستتلقى اتصالاً هاتفياً من شخص بعيد وعزيز، وسترزق بمبلغ مالي كبير.
لديك صعوبات في عملك، وستواجه بعض المشاكل لكنك ستتخطاها وقد تتلقى تهنئة.
أنت شخصية عنيدة، وواثقة من نفسها، ولديك مواهب كثيرة.
حسناً، ومن منا لا يمتلك مثل هذه الصفات، وما الغريب في حصولنا على مبلغ مالي، أو تدهور أوضاعنا، فهي أمور تحدث بشكل اعتيادي مع كل الناس، وأما الصفات فهي نسبية، وكلنا نمتلكها ولكنها تختلف من شخص لآخر، خزعبلات يرميها علينا المتشدقون ونصدقها، وحتى لو لم تنطبق علينا بعض الصفات ترانا نتقمصها لندّعي بأننا أصحاب أبراج راقية، وأننا نمتلك صفاتاً مميزة.
يتابع الكثير من الشباب الأبراج ويؤمنون بها ويعتقدون بأنها تحدد الكثير من صفاتهم وشخصياتهم وتحدد مصائرهم في بعض الأحيان، وتغريهم التطمينات والتبشيرات التي يهتف بها المنجمون بشكل يومي كل صباح، حتى ذهب البعض أكثر من ذلك إلى أن يربط علاقته بشريك حياته بنوع برجه وصفاته، وآخرون لا يبدأ صباحهم حتى يقرؤا طالعهم وماذا يقول المنجمون في يومهم، فلا يسيرون إلا بأمرهم ويربطون مسار يومهم بتوجيهاتهم.
ودخل في معمعة الأبراج والتنجيم حتى السياسيون والمشهورون؛ فتراهم يرجعون للتنجيم في كل قرار مهم يهمون بالأخذ به، سيما أن البعض الآخر من الناس يرفضون ذلك ويعتبرونه ضربا من الجنون والشعوذة والهرطقة المقنعة، والأقلية القليلة جدا ممن يقفون في الحياد لا مع ولا ضد هذه الثورة النفسية واللعبة العصرية.
ثم يأتيك من يقول: إذا كان المنجمون والبصّارون كاذبون وإذا كانت الابراج خدعة عصرية فما تفسير تحقق الكثير مما يقولونه وما تفسير انطباق الشخصيات حسب الأبراج، فلقد سمعنا الكثير من الروايات التي تحكي تحقق بعض الرؤى وتصديق بعض التفسيرات؛ فهذا يقول: لقد قالت لي عرافة حينما كنت طفلاً بأنني سيكون لي شأن عظيم يوماً ما، وها أنا ذا اصبحت مشهوراً وعظيماً، ويأتي اخر ويقول لقد قرأت لي سيدة فنجاني ذات يوم وقالت لي بأنني سأصبح طبيبا، وها أنا ذا خير طبيب أنجبته البطون.
فما تفسير كل ما سبق؟
هؤلاء المنجمون والمستبصرون لا يقررون مصائرنا، ولا يرسمون خطوط حياتنا بل نحن من يتّبع قولهم حينما نؤمن بما يقولون ونتماشى مع ما يقررون، ونفعل ما يوجهوننا به لا شعوريا لأننا بفعل إيماننا بكلامهم جعلنا عقلنا الباطن ينفذ ويطبق كل ما سمعناه، وسلمناهم دفة القيادة في أدمغتنا فمشينا بممشاهم دون اعتراض أو تفكير.
لو قلت لك لا تفكر باللون الأحمر
ما هو اللون الذي طرأ في بالك؟
بالطبع الأحمر
ولو قلت لك فكر باللون الأصفر
ما هو اللون الذي طرأ في مخيلتك
بالطبع الاصفر
فأدمغتنا مركبة على الأخذ بكل ما نسمع سلباً كان أو ايجاباً، وبطبيعتنا البشرية فنحن قابلون للتدريب، والانقياد إلا من رحم ربي، فالبشر قد يتهادون مثل القطعان خلف من يوجههم ويوهمهم بالحقيقة حتى لو لديهم بعض الشكوك فهم لازالوا يفضلون الانقياد على إعمال الفكر وتناول مسؤولية حياتهم ومستقبلهم بأنفسهم، ولهذا السبب وجهنا الله تعالى إلى الابتعاد عن الانقياد خلف القطيع وفي القرآن سور شتى ترمي إلى ضرورة إعمال الفكر وألا نكون إمعة
{وَأَكثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ}
{وَأَكثَرُهُم لاَ يَعقِلُونَ}
{وَأَكثَرُهُمُ الكَافِرُونَ}
{وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُون}
{وَأَكثَرُهُم كَاذِبُونَ}
{بل أَكثَرُهُم لاَ يُؤمِنُونَ}
ولنفس السبب السابق يوصي المتنورون دائماً بالابتعاد عن الفكر المغلوط، وعن الناس التي تحمل نظرة سلبية في الحياة، والاقتراب من الايجابين لأن ما يقولونه دائما يؤثر فينا، ولهذا السبب ايضا يقال: "قل لي من تصاحب اقل لك من انت" لأن الأصحاب والأخلاء يأخذون من صفات وأفعال بعضهم البعض بحكم تأثيرهم في الكلام والتصرفات.
أما تلك العرّافة وقارئة الفنجان فلعلهم قالوا ما قالوه للكثيرين، ولكن البعض آمن بما قالوا فعملوا على تحقيقه، والاخرون تجاهلوه وبنوا لأنفسهم مصيرهم الخاص بهم، فعلة الأمر أولا وآخراً هو الأخذ بما نسمع والايمان به.
وقياساً على ما سبق؛ فنحن نكرر أذكار الصباح والمساء لكي تكون درعاً حامياً لنا؛ فنحن بفعل ايماننا باننا حينما نطلب من الله حمايتنا وتيسير امورنا في يومنا، هو بالفعل سيحمينا وسنشعر بالرضا عن أنفسنا طيلة اليوم، وحتى وان واجهتنا بعض الصعوبات ما تلبث أن تزول ويحل محلها الأمن والطمأنينة.
خلاصة الكلام انت تقرر مصير حياتك، وانت تقرر ما تريد في هذه الدنيا، ارسم لنفسك هدفا وخطط له ثم تناول من المعارف والكتب والاصدقاء والاخلاء من يعينونك على تحقيق ما تريد، ولا تجعل من نفسك اضحوكة بيد اناس لا يفقهون شيئا، ويلعبون بفكرك وعقلك ومصير حياتك، لن يرسل هؤلاء المشعوذون لك مارداً يحقق لك امنياتك ويطلق العنان لأحلامك، أشعل بنفسك فتيل الرغبة بداخلك وأيقظ المارد النائم في ثنايا روحك وأصنع بنفسك مستقبلك وكما قال الحق عز وجل { وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} .
أضف تعليقك...