السبت 2025-02-01
الآيات 105-191سورة الشعراء،اللقاء(20)
تأمّلات في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي

-
إعداد / د. صديق بن صالح فارسي
-
اجتماعي
وقفات تأمّلية:-
افتتحت السورة بذكر المكذبين بآيات الله تعالى- المعاندين لاتباع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام- الظالمين لأنفسهم، المفسدين في الأرض، ثم أخذت الآيات تحدثنا عن أنباء بعض الأمم السابقة الذين كذبوا وعاندوا وظلموا وأفسدوا في الأرض، فجاءتهم رسلهم بالبينات من ربّهم، ولكن كثيرا منهم فسقوا عن أمر ربّهم وعصوا رسله عليهم الصلاة والسلام- فأصابهم سيئات ما كسبوا، ونزل عليهم العذاب الأليم فأهلكهم، (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، وبدأت الآيات بذكر أشدهم ظلماً وعتواً في الأرض، فرعون وقومه، (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ)، ورأينا كيف فعل الله تعالى- بهم، ثم توالت الآيات تحدثنا عن قصص أمم أخرى كافرة، (كَذَّبَت قَومُ نُوحٍ ٱلمُرسَلِينَ)، (كَذَّبَت عَادٌ ٱلمُرسَلِينَ)، (كَذَّبَت ثَمُودُ ٱلمُرسَلِينَ)، (كَذَّبَت قَومُ لُوطٍ ٱلمُرسَلِينَ)، (كَذَّبَ أَصحَٰبُ لـَٔيكَةِ ٱلمُرسَلِينَ)، فكل أمة منهم كذبوا رسولهم، ورغم ذلك وصفهم بأنهم كذبوا المرسلين، لأن رسالة جميع رسل الله- عليهم الصلاة والسلام - واحدة، وإن اختلفت شرائعهم، حيث إنهم متفقون في الأصول، وأهمها توحيد الله عز وجل - (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)،
كما نلاحظ فيما تقدم من القصص أن جميع الرسل كانوا يدعون أقوامهم إلى تقوى الله تعالى- بقولهم : (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ )، قيل في معنى التقوى هي: "أن يطاع الله- فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر "، ومن ثمرات التقوى أنها سبب لتيسير أمور الإنسان، ووقايته من ضرر الشيطان، وسبب لتفتيح البركات من السماء والأرض، وسبب في توفيق العبد في الفصل بين الحق والباطل ومعرفة كل منهما، وسبب للخروج من المآزق وحصول الرزق والسعة للمتقي من حيث لا يحتسب، والتقوى سبب لنيل الولاية ، (إِن أَولِيَاؤُهُ إِلَّا المُتَّقُون)، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, وَاللَّهُ وَلِيٌّ المُتَّقِينَ)، والتقوى سبب لعدم الخوف من ضرر وكيد الكافرين، وسبب لنزول المدد من السماء عند الشدائد ولقاء الأعداء، وسبب لصلاح الأعمال وقبولها ومغفرة الذنوب، وسبب لنيل رحمة الله، وهذه الرحمة تكون في الدنيا كما تكون في الآخرة، وسبب لنيل معية الله الخاصة، والتقوى سبب لحصول البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وعدم ضياع الأجر في الدنيا والآخرة، وسبب لتكفير السيئات والعفو عن الزلات، والمتقون لهم البشرى في الآخرة بألا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة، (إِنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ, أَمِينٍ, * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ,* يَلبَسُونَ مِن سُندُسٍ, وَإِستَبرَقٍ, مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجنَاهُم بِحُورٍ, عِينٍ,* يَدعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ, ءَامِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلَّا المَوتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُم عَذَابَ الجَحِيمِ)، (إِنَّ ٱلمُتَّقِینَ فِی جَنَّـٰت وَنَهَر * فِی مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَلِیك مُّقتَدِر )،
وقد يسأل من يقول: كيف نحقق التقوى في حياتنا؟ أو كيف أكون من المتقين؟
الجواب: تحقيق التقوى يكون بتمام العبودية لله تعالى- بالإخلاص، واتباع ما أمر به في كتابه وسنة نبيه، والإنتهاء عما نهى عنه وزجر ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ)،
فتقوى الله تعالى- تضمن للإنسان سعادة الدنيا والآخرة،
والتقوى يجب أن تكون بالعلم والإيمان، فالتقوى بلا علم قد تقود للضلال، كما أن التقوى بدون الإيمان لا تقبل، لأن شروط قبول الأعمال ثلاثة: الإيمان، والإخلاص، والمطابقة للكتاب والسنة،
كما نلاحظ من سياق الآيات أن رسل الله - لا يطلبون من أقوامهم أجرا ولا مكافأة مادية ولا معنوية، ولا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً، ولا يطلبون منهم شيئا من حظوظ الدنيا، (وَمَآ أَسـَٔلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلعَٰلَمِينَ)، وكذلك الدعاة والمصلحون والذين يأمرون الناس بالخير والمعروف وينهونهم عن الشر والمنكر، ينبغي أن يكون عملهم ودعوتهم خالصة لوجه الله تبارك وتعالى- وقيل: إن الأجر أو المكافأة التي تعطى للدعاة تكون للوقت وليس للجهد، ويكون بقدر الحاجة، كي يتفرغوا لعمل الدعوة، والقيام بواجباتهم الدعوية.
ثم نجد أنه في نهاية كل قصة من قصص تلك الأمم تكرر قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَة وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُّؤمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ)،
فإن قيل: لم كررها مع كل قصة؟ فالجواب: أن ذلك أبلغ في الاعتبار، وأشدّ تنبيهاً للقلوب وأيضاً فإن كل قصة منها كأنها كلام قائم مستقل بنفسه، فختمت بما ختمت به صاحبتها، علاوة على مافي ذلك من البيان وروعة وجمال القرآن،
كما أن في تكرارها في نهاية كل قصة من قصص تلك الأمم الذين أعرضوا عن آيات الله- وكذبوا رسله- آية من آيات قدرة الله- الذي لا يعجزه شيء، ولا يُرد بأسه عن القوم الظالمين، وأن أخذه أليم شديد، وذلك لأنه سبحانه- عزيز لا يُغلب، كما أنه تبارك وتعالى- رحيم بعباده، يُرسل إليهم الرسل- ويُنزل عليهم الكتب، ويُنذرهم قبل أن يوقع بهم العذاب، قال تعالى: - (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا)، كما قال سبحانه:- (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)،
فيجدر بالمؤمن القارئ لآيات القرآن الكريم - المتدبر في تلك القصص، أن يدرك عظمة آيات الله- وسننه في خلقه، ففي كل الأحوال نجد أن العاقبة الحسنة والفوز والسعادة للمتقين، وأن مصير المفسدين المكذبين المعرضين عن ذكر ربّهم، الظالمين الطاغين هو التعاسة وسوء المنقلب في الدنيا، (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ)، لأنه سبحانه- عزيز لا يُغلب، وقوي لا يُقهر، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم، والحمد لله ربّ العالمين!
أضف تعليقك...