• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الثلاثاء 2024-09-17

الآيات (01-06) سورة الناس، اللقاء (01)

تأمّل في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي

  • تسجيل اعجاب 1
  • المشاهدات 220
  • التعليقات 0
  • Twitter
الآيات (01-06) سورة الناس، اللقاء (01)
  1. icon

    إعداد / د. صديق بن صالح فارسي

  2. icon

    اجتماعي

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَٰهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.

بعد أن أمر الله تبارك وتعالى بإخلاص العبادة له، والبراءة من الكافرين ومعتقداتهم وأعمالهم بسورة، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، بشر سبحانه عباده بالنصر، وأمرهم بالتسبيح والاستغفار بسورة، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، ثم بيّن عاقبة الذين يؤذون الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بسورة، {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}، بعد ذلك اختتم الله عز وجل كتابه الكريم بهذه السور الثلاثة المحصنات، وأمر عباده بأن يتحصنوا بها، ويستعينوا ويستعيذوا به سبحانه على تحصين عقولهم وأفكارهم وعقائدهم وأفئدتهم بسورة الإخلاص لله تعالى، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وبتحصين أنفسهم وأجسادهم من الأذى الخارجي بسورة، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، على النحو الذي سبق التأمّل به في آيات السورتين السابقتين، ثم جاءت هذه السورة، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، لتحصين المؤمن من الأذى الداخلي، الذي هو أشد خطورة وأصعب مقاومة من الأذى الخارجي، ألا وهو الوسواس.

و(الْوَسْوَاسِ): اسمُ مصدرٍ للوسوسة، وهي أصواتٌ خفيّة تَحُثُ الإنسانَ على الشرِّ والعِصيانِ، وقد لازمت الوسوسةُ الشيطانَ لكثرةِ صدورها منه، فأصبحت اسمًا من أسمائه، كما أن الخنّاسُ، صفة من صفاته، والمقصودُ: وصفُ حال الشّيطانِ بالضّعفِ إذ أنه يوسوس فإذا ذكر العبدُ الله وتعوذ به، تباعد عنه، ثم رجع إليه عند الغفلة عن الذكر، فهو يخنس ثم يرجع.

فعلينا طَلَبُ العونِ من الله -عزَّ وجلَّ- أن يحفظنا من وساوسِ الشيطانِ بالشرور والباطل الذي من شأنه أن يجُرَّ المسلمَ إلى سوءِ المصير والعاقبة.

والملاحظ: أنه تبارك وتعالى أمرنا بالاستعاذة بثلاثة من صفاته العليا وهي: "بربّ الناس، وملك الناس، وإله الناس، من شر شيء واحد فقط، وهو الوسواس الخناس، "الشيطان" الذي يوسوس في صدور الناس، من شياطين الجن، وشياطين الإنس، بينما أمرنا في سورة الفلق بالاستعاذة بصفة واحدة من صفاته العليا وهي، "بربّ الفلق"، من أربعة أشياء وهي: من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، ولعل في ذلك إشارة وتنبيهًا وتحذيرًا شديدًا من خطر الوسواس الخناس، أعاذنا الله تعالى ووقانا من شروره وشِركه وشَركه، لأنه يوسوس في الصدور: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِبأنواع كثيرة منها: إفساد الإيمان والتشكيك في العقائد فإن لم يقدر على ذلك أمرهم بالمعاصي، فإن لم يقدر على ذلك ثبّطهم عن الطاعات، فإن لم يقدر على ذلك أدخل عليهم الرياء في الطاعات ليحبطها، فإن سلموا من ذلك أدخل عليهم العُجْب بأنفسهم، واستكثار عملهم، كما أنه يوقد في القلب نار الحسد، والحقد، والغضب، حتى يقود الإنسان إلى شر الأعمال وأقبح الأحوال.

وعلاج وسوسته بعدة أشياء: منها الإكثار من ذكر الله والإكثار من الاستعاذة بالله منه، ومن أنفع شيء في ذلك هو قراءة هذه السورة، ومخالفته والعزم على عصيانه، كما يلاحظ: أنه يوسوس في الصدور فقط، ولن يدخل إلى القلب إلا إذا صادف قلبًا خاليًا من الإيمان، عندها تتحول الوسوسة إلى الشكوك، والشكوك تؤدي إلى سوء الظن، وسوء الظن قد يفضي إلى الكفر -والعياذ بالله-، وكلما ارتفع الإيمان في القلب، زاد اليقين الذي هو ضد الشك.

{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أي أنّ المُوسوِسين قسمان: القسمُ الأول: شياطين الجن: وهم مخلوقاتٌ مُستترة، أي لا يمكنُ رؤيتها بالعين المُجردة، يبثّونَ خواطرَ الشّرِ والسوء في نفسِ الإنسان لتضليله، وهُم أصلُ الوسوسةِ، قال تعالى: {يا بَني آدَمَ لا يَفتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرَجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوآتِهِما إِنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لا تَرَونَهُمالقسم الثاني: شياطين الإنس: وهم البشرُ الذين يبثونَ أفكارَ الشّرِ والضّلال في قلوب الناس في محاولةٍ منهم لإقناعهم بها، وإخراجها مَخرجَ النّصيحةِ، وبئسَ النّصيحةِ هي، إذ يُضعِفونَ بوَسوَستهم قلبَ الإنسانِ حتّى يتمكَّنَ منه شيطانُ الجنِّ، فكِلا القِسمينِ يوسوسُ للإنسان تارةً، ويخنسُ تارةً إذا ذكرَ الإنسانُ ربَّه، وإنّ مَحَل هذه الوسوسة هي صدور الناس، إذ يشعرُ بها الإنسانُ بقدر ما في قلبه من الإيمان، وكلما زاد الإيمان في القلب، دفع الله تعالى عنه الوساوس والأحزان، أما الغافل عن ذكر الله فذلك يقوض له شيطان، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، أي من غفل عن ذكر الله، وعن قراءة القرآن، وعن طاعة الله من الصلوات، وغيرها؛ قيض الله له الشياطين حتى تصده عن الحق، وحتى تلهيه في الباطل -والعياذ بالله-، وأما  قام بأمر الله وأدى حقه واستعمل نفسه في ذكره وطاعته، عافاه الله وحفظه من الشياطين، نسأل الله السلامة والعافية.

عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذاتِ ويَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وجَعُهُ كُنْتُ أقْرَأُ عليه وأَمْسَحُ بيَدِهِ رَجاءَ بَرَكَتِها).

تمت السورة، ولله الحمد والمنّة، وبه التوفيق والعصمة.

أضف تعليقك...

  • 271 زيارات اليوم

  • 47932186 إجمالي المشاهدات

  • 3003377 إجمالي الزوار