الجمعة 2024-09-13
الآيات 01- 04 سورة الإخلاص، اللقاء،(01)
تأمّلات في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي!
-
إعداد / د. صديق بن صالح فارسي
-
اجتماعي
قُل هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (1) ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ (2) لَم يَلِد وَلَم يُولَد (3) وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدُۢ (4)
افتتحت السورة بالأمر للرسول عليه الصلاة والسلام- ولمن اتبعه من المؤمنين الداعين إلى ربّهم- وإلى صراطه المستقيم، بقوله: (قلْ)، للاهتمام بما سيأتي بعده من القول، لإبلاغه للناس وذلك على وجه الخصوص، مع أن القرآن كله مأمور بإبلاغه للناس، وبدأ الخطاب بالأمر ليستدعي الانتباه والتركيز لما سيُلقى عليهم من الأمر، والسور المفتتحة بالأمر " قل" ،خمس سور، (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ)، سورة الجن، وسورة الكافرون، وسورة الإخلاص، وفيها الأمر "بالقول" كي يبلّغونه للناس، وسورة الفلق، وسورة الناس، "بالقول" الذي يتعوذون به لأنفسهم، مع تبليغه للناس، وهذه السورة من السور ذات الأسماء المتعددة، ومنها أنها تسمى سورة التفريد، والتجريد، والتوحيد، والنجاة، والولاية، والمعرفة، والصمد، والأساس، والمانعة، والبراءة.
وجاء في فضلها عدة أحاديث منها: (أنَّ رجلاً سمعَ رجلاً يقرأُ (قل هوَ اللَّهُ أحدٌ) يردِّدُها فلمّا أصبحَ جاءَ إلى النَّبيِّ ﷺ فذَكرَ ذلِكَ لَهُ فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ والَّذي نفسي بيدِهِ إنَّها لتعدلُ ثلثَ القرآنِ)، قال بعض العلماء في معنى هذا الحديث: أن علوم القرآن على ثلاثة أقسام: ثلث منها في الأحكام، وثلث منها قصص وعد ووعيد، وثلث منها كهذه السورة في الذات الإلهية والأسماء والصفات. (قُل هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ )، قيل: إنَّ الأحَدَ أبلَغُ مِنَ الواحِدِ، يقالُ: فلانٌ لا يُقاوِمُه أحدٌ، نفيًا للكُلِّ، ويقالُ: لا يقاوِمُه واحِدٌ، ويجوزُ أن يقاوِمَه اثنانِ، وأيضًا فإنَّ الواحِدَ يكونُ الذي يليه الثَّاني والثَّالِثُ في العَدَدِ، والأحَدُ لا يكونُ بمعنى هذا الحالِ، فهو سبحانه - لا نظيرَ له ولا وَزيرَ، ولا نَدِيدَ ولا شَبيهَ ولا عديلَ، ولا يُطلَقُ هذا اللَّفظُ على أحَدٍ في الإثباتِ إلَّا على اللهِ عَزَّ وجَلَّ- لأنَّه الكامِلُ في جميعِ صِفاتِه وأفعاله، وقيل : الأحَدُ: الذي لا شَبيهَ له ولا نظيرَ، والواحِدُ: الوتر الذي لا شَريكَ له ولا عَديلَ، كما قيل في معنى الأحد: أنه الذي لا ينقسم ولا يتبعض. ( ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ)، أي الذي يُصمَد إليه في الأمور أي يلجأ إليه، وقيل: الصمد : الدائم الباقي ، الذي لم يزل ولا يزال، وقيل: إنه المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد، وقيل: إنه : المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب، وقيل : إنه : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وقيل: إنه : الكامل الذي لا عيب فيه، وقيل : الصمد : المصمت الذي لا جوف له، (لَمۡ يَلِد وَلَم يُولَد)، وهذا من معاني اسم الصمد، وهو ردّ على كل من جعل لله- ولدًا فمنهم النصارى في قولهم: "عيسى ابن الله" واليهود في قولهم: "عزير ابن الله" والعرب في قولهم: "الملائكة بنات الله". كما أنه ليس له أحَدٌ يُكافِئُه سبحانه.
روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه:(أنَّ المشرِكينَ قالوا لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : انسب لَنا ربَّكَ ، فأَنزلَ اللَّهُ تعالى : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ والصَّمَدُ : الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، لأنَّهُ ليسَ شيءٌ يولَدُ إلَّا سيَموتُ، ولا شيءٌ يموتُ إلَّا سيورَثُ، وإنَّ اللَّهَ لا يموتُ ولا يورَثُ : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ قالَ : لم يَكُن لَهُ شبيهٌ ولا عدلٌ وليسَ كمثلِهِ شيءٌ)، انسُبْ لنا ربَّك"، أي: اذكُرْ لنا صِفةَ إِلَهِك ونَسَبَه، "فأنزَل اللهُ تعالى" سورةَ الإخلاصِ. وقد أقام الله - براهين قاطعة على وحدانيته، وهي في القرآن كثير جداً، وأوضحها أربعة براهين: الأول قوله:(أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ)، وبما أن الله تعالى- هو الخالق لجميع الموجودات، فلا يمكن أن يكون واحد منها شريكاً أو نداً له، والثاني قوله: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا)، والثالث قوله: (قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً)، والرابع قوله: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)!
فائدة:
قرأ حمزة وإسماعيل: " كُفْؤا " ساكنة الفاء مهموزًا ،
وقرأ حفص عن عاصم: " كُفُوا " بضم الفاء من غير همز،
وقرأ الآخرون: " كُفُؤا " بضم الفاء مهموزًا،
وكلها لغات صحيحة.
تمت السورة، ولله الحمد والمنّة، وبه التوفيق والعصمة!
أضف تعليقك...