
-
بقلم / د. عبدالحكيم بن محمد المغربي
-
جميع مقالات الكاتب
-
اجتماعي
حين يحل 22 فبراير، لا يكون مجرد يوم وطني في تقويم المملكة، بل هو نبض التاريخ في عروق الأمة، هو اليوم الذي نستعيد فيه ذكرى رجالٍ صنعوا أمجاد هذه الأرض، وسطروا أعظم الصفحات في تاريخها. إنه يوم التأسيس السعودي، حيث لم يكن تأسيسًا لدولةٍ فحسب، بل كان ولادةً لمشروعٍ حضاري عظيم، أرسى قواعده الإمام محمد بن سعود عام 1727م، وامتد عبر الأجيال حتى تجلى بأعظم صوره على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-، الذي لم يضع مجرد حدودٍ جغرافية لدولته، بل جعل دستورها القرآن، ورايتها راية التوحيد.
المملكة.. عندما يكون التوحيد هو الأساس
ما يميز المملكة العربية السعودية عن سائر الدول أن تأسيسها لم يكن فقط على أسس سياسية أو اقتصادية، بل كان تأسيسًا رساليًا يحمل في طياته رسالة الإسلام الخالدة. منذ اللحظة الأولى، كان الإمام محمد بن سعود يدرك أن نجاح الدولة لا يكون إلا بالتمسك بعقيدة التوحيد، وهو النهج الذي سار عليه الملك عبدالعزيز بعد أكثر من قرن، حينما أعاد توحيد أقاليم الجزيرة العربية تحت راية واحدة، ليعلن قيام المملكة العربية السعودية عام 1932م، ويجعل من القرآن الكريم والسنة النبوية دستورًا لا يُحيد عنه، ومن كلمة التوحيد شعارًا لعلم المملكة.
إن رفع كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" على راية المملكة لم يكن مجرد اختيار عشوائي، بل كان إعلانًا للعالم بأن هذه الأرض ستظل حاملةً لرسالة الإسلام، وحاميةً للحرمين الشريفين، ومدافعةً عن العقيدة الصافية. إنه علمٌ لا يُنكس، لأنه ليس مجرد رمز وطني، بل هو شهادةٌ بالحق، وعهدٌ بين الشعب وقيادته بأن التوحيد هو الأساس، وأن العدل والشريعة هما الطريق.
الملك عبد العزيز.. مؤسس الدولة الحديثة على نهج الأسلاف
حين استعاد الملك عبدالعزيز الرياض عام 1902م، لم يكن ذلك مجرد انتصار عسكري، بل كان عودةً للنهج السعودي الأصيل، الذي بدأه أجداده في الدولة السعودية الأولى. لقد آمن بأن القوة وحدها لا تكفي، وأن الدولة بحاجة إلى نظامٍ يحكمها، فاختار القرآن دستورًا، والشريعة الإسلامية منهجًا، وأسس دولةً تقوم على العدل والمساواة، وترفع راية التوحيد عاليةً بين الأمم.
لم يكن قرار جعل القرآن والسنة دستورًا أمرًا رمزيًا، بل كان التزامًا راسخًا ظهر في كل تفاصيل بناء الدولة، من القضاء والتعليم، إلى الاقتصاد والعلاقات الدولية. فالمملكة ليست مجرد دولة، بل هي رسالةٌ ممتدة عبر التاريخ، ومسؤوليةٌ كبرى حملها الملك عبدالعزيز وأبناؤه من بعده، للحفاظ على إرث التوحيد وخدمة الإسلام والمسلمين.
المملكة.. بين الماضي والحاضر والمستقبل
اليوم، حين ننظر إلى المملكة، نراها تتقدم بخطى ثابتة نحو مستقبلٍ صنعته رؤية 2030، نحو اقتصادٍ قوي، ومجتمعٍ مزدهر، ودولةٍ تنافس في كل الميادين. لكنها رغم كل هذا التقدم، لم تنسَ أصلها، ولم تتخلَ عن قيمها، بل جعلت من تراثها أساسًا لمستقبلها.
فالسعودية اليوم تُثبت للعالم أن الحداثة لا تعني القطيعة مع الماضي، وأن التطور لا يعني التخلي عن الهوية. بل على العكس، فقد جعلت المملكة من تاريخها وتراثها ركيزةً لمستقبلها، واستلهمت من ماضيها المجيد قوةً تدفعها نحو التقدم، في ظل قيادة حكيمة تسير على نهج المؤسس، وتعزز مكانة المملكة بين الأمم.
لماذا نحتفل بيوم التأسيس؟
نحتفل بهذا اليوم لأننا ندرك أن هذه الأرض لم تُبنَ صدفة، ولم تقم على المصالح العابرة، بل قامت على مبدأٍ ثابت: التوحيد أولًا. نحتفل لأننا أبناء أمةٍ وضعت الدين في قلب سياستها، وجعلت من العدل والمساواة ركيزةً لحكمها.
يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى، بل تأكيدٌ على أن هذا الوطن سيظل شامخًا ما دام متمسكًا بثوابته. هو فرصة لنستلهم العزم من الأجداد، ونجدد الولاء لقيادةٍ حملت الراية، وسارت على النهج، وواصلت البناء، لنكون شاهدين على عهدٍ من التطور والتقدم، دون أن نحيد عن قيمنا وأصولنا.
رسالتنا في يوم التأسيس
في هذا اليوم العظيم، نرفع رؤوسنا فخرًا، ونجدد العهد على أننا سنحافظ على هذا الإرث العظيم، وسنكون أبناءً أوفياء لتاريخنا، ومستقبلًا مشرقًا لأمتنا. يوم التأسيس ليس مجرد احتفال، بل هو عهدٌ بيننا وبين هذه الأرض المباركة، أن نحمل راية المجد، ونبقى أوفياء لدستورٍ وضعه المؤسس، ورايةٍ تحمل أعظم كلمةٍ في الوجود.
هنا بدأت الحكاية... وهنا يستمر المجد
أضف تعليقك...