• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الأحد 2024-12-22

أنتِ مرآة نفسك

  • تسجيل اعجاب 10
  • المشاهدات 183
  • التعليقات 0
  • Twitter
أنتِ مرآة نفسك
  1. icon

    بقلم / بيان محمد منير بركات

  2. icon

    جميع مقالات الكاتب

  3. icon

    وصفي

كالمرآة المُغَبَّرة التي تُخفي حقيقتها، هكذا تُصبح أرواحنا حين تغشاها شواغل الحياة وهمومها، نعيش في زحام متسارع، نتنقل بين مسؤوليات متراكمة وتوقعات لا تنتهي، وكأننا في سباقٍ بلا خط نهاية واضح، وسط هذا العبور المحموم، قد نجد أنفسنا نتوقف فجأة، ونسأل: أين أنا؟ هذا السؤال ليس هزيمةً، بل هو كالبوصلة التي تشير إلى عمقٍ نكاد ننساه.

إن لحظة التساؤل عن الذات تُشبه غيمة داكنة تُبشّر بمطرٍ قريب، تحمل معها وعودًا بالوضوح بعد العاصفة، لكنها أيضًا بداية رحلة شاقة، تُشبه السير في غابة كثيفة الظلال، حيث يتوجب علينا مواجهة مخاوفنا، وإزالة أشواك الطرق، واكتشاف النور الذي يختبئ خلف الأغصان المتشابكة.

إن السكون الداخلي الذي ينشأ عن هذه الرحلة يضاهي شعور الوقوف على قمة جبل بعد تسلقٍ طويل، حيث تمتزج الرهبة بالسكينة، ولكن كيف نجد تلك القمة؟ وكيف نواجه أنفسنا في مرآة الحقيقة دون أن نخشى ما سنراه؟

ليست المشكلة في الأسئلة نفسها؛ بل في الخوف من مواجهتها، كثيرًا ما نُطارد الإجابات في العالم الخارجي: في الآخرين، في العمل، أو في النجاح المادي، متناسين أن الإجابات الحقيقية تكمن في الداخل: النفس، تلك المرآة التي لا تُزيِّف، تُواجهنا بما نخشاه: ضعفنا، عيوبنا، أحلامنا الباهتة، يقول الله عز وجل: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) هذه دعوة إلهية لاستبصار النفس والتعمُّق فيها، لكنها أيضًا دعوة تتطلب شجاعة.

ما هي المرآة التي تواجهكِ كل يوم؟ أهي مجرد زجاج يعكس مظهرك الخارجي، أم هي مرآة النفس التي تعكس حقيقتكِ الداخلية؟ تخيلي تلك اللحظة التي تغضبين فيها على زميلة في العمل: هل السبب حقًا هو خطؤها؟، أم أن الغضب انعكاس لقلقك الدفين أو شعورك بالخوف من الفشل؟، أو حين تفرحين بقراءة رواية شيقة: هل هي مجرد كلمات جميلة، أم أن شغفكِ بالمعرفة يهمس لكِ بأشياء أهملتها طويلاً؟

النفس البشرية كالبحر، هادئ في السطح، ولكنه يخبئ أعماقًا غامضة مليئة بالكنوز وأحيانًا الوحوش. ومثل الغواص الذي يواجه ظلمات البحر بحثًا عن لؤلؤته، على الإنسان أن يُواجه ظلمات نفسه لاستخراج جوهره الحقيقي، يقول الإمام ابن القيم: "النفس كالزجاجة، تعكس نور القلب إذا صُقِلت، ولكنها تعكس الظلام إذا تراكم عليها الغبار".

كثير من الناس يعتقدون أن الحل يكمن في الهروب، الهروب من مواجهة النفس، من طرح الأسئلة الصعبة، أو من اتخاذ قرارات جريئة، حتى أن البعض يلجأ إلى الترفيه المفرط، أو الانشغال بجدول مليء بالمهام لتجنب مواجهة الذات، لكن الهروب ليس حلاً، يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد"

فالحل يبدأ من جرأةٍ جديدة: الكتابة، ولكن ليس أي كتابة، ليست الكتابة الرسمية أو المرتبة، بل الكتابة الحرة التي تُخرجين فيها كل ما في قلبكِ، الكتابة التي تُصبح مرآةً تعكس ما لا تراه العين، اجلسي في هدوء، واتركي القلم يكتب دون حواجز أو خوف اكتبي مشاعرك، أسئلتكِ، مخاوفكِ، وحتى ما تخجلين منه، واجهي تلك الكلمات كما تواجهين مرآة لا تكذب، عندما تُسطّرين أفكاركِ، ستجدين أن الإجابات التي تبحثين عنها تظهر تدريجيًا، الكتابة تُتيح لكِ أن تكوني أنتِ القارئة والكاتبة في الوقت ذاته.

تخيلي أن كلماتك هي نوافذ تطل على روحك، حين تكتبين تفتحين تلك النوافذ ليدخل النور، ويطرد الغبار المتراكم على مرآتكِ الداخلية، وهذا ليس ترفًا فكريًا؛ بل هو منهج قرآني، قال الله تعالى: (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم)، هذه الآية ليست فقط أمرًا بالعلم، بل تذكير بأن الكتابة أداة لاكتشاف النفس وتنقيتها.

ولا تنسي أن الطريق الأسمى في رحلة استكشاف الذات هو العودة الصادقة إلى الله، تلك العودة التي تكون بوابة التحول وجوهر التغيير، يقول الحق تبارك وتعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) إنها دعوة إلهية عميقة، تحمل في طياتها سر التغيير الحقيقي، مفتاح التحول ليس في الخارج، بل في أعماق روحك، في تلك اللحظة حين تفتحين قلبك للهِ بصدق، تبدأ معجزة التغيير كأنما تمسح غبار السنين عن مرآة نفسك، فتعود نقية صافية، هنا حين تنظرين ستُدركين أن الخوف، الغضب، والفرح جميعها إشارات تحتاجين إلى فهمها، هذه الإشارات ليست أعداءً؛ بل هي دلائل ترشدك إلى جوانب من نفسك تحتاج إلى الترميم، وفي الحديث الشريف: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت"، فمحاسبة النفس ليست ضعفًا، بل هي القوة الحقيقية، القوة التي تُحوِّل الاخطاء إلى دروس، والمخاوف إلى دوافع، والتساؤلات إلى أجوبة.

وأخيرًا: لا تنتظري الظروف، فالتغيير ليس وعدًا مؤجلًا، بل نبض يسري في عروقك، راقبي شجرة تنمو وسط الصخور، لا تنتظر التربة المثالية، بل تغرس جذورها في أقسى الأماكن هكذا أنتِ: قدرتك على التغيير ليست مرهونة بظروف خارجية، بل بإرادة داخلية.

وفي الختام اعلمي أن النفس مرآة حية تنبض بالأسرار، لا تكذب حتى لو حاولت تغطية انعكاساتها، في كل يوم تُمنحين فرصة لاكتشاف خريطة روحك المخفية، واكتشاف رسالتك الفريدة في هذا الكون الواسع، فرسالتك ليست في الكمال، بل في الجرأة، جرأة النظر للداخل، جرأة الاعتراف بالضعف، وجرأة تحويل الشروخ إلى جسور، في كل مرة تواجهين فيها مرآتك الداخلية تذكري: أنتِ أعمق من انعكاسك، وأوسع من صورتك، وأقوى من أي قيود وضعتها لنفسك، ليست العبرة في كمال المرأة بل في صدق انعكاسها، فأنتِ مرآة نفسك.

 

أضف تعليقك...

 
  • 833 زيارات اليوم

  • 48788266 إجمالي المشاهدات

  • 3014177 إجمالي الزوار