• icon لوحة التحكم
  • icon

icon السبت 2023-02-25

تَعليمُ الوِلْدانِ آياتَ القُرْآنِ

  • تسجيل اعجاب 2
  • المشاهدات 390
  • التعليقات 3
  • Twitter
 تَعليمُ الوِلْدانِ آياتَ القُرْآنِ
  1. icon

    بقلم / د. سليمان بن أحمد قندو

  2. icon

    جميع مقالات الكاتب

  3. icon

    توعوي

الْحَمْدُ لِلَّه ربّ العالمين، الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ المنَّانِ؛ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ، فجعل فيه الهدى والتِّبْيَان، ( هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يَفِيضُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَيُوَفِّقهُمْ لِاكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، وَصِيَانَةِ أَنْفُسِهِمْ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدّينِ وسلَم تسليما مزيداً ... وبعد ،،

فإنّه ينبغي على العبد أن يغتنم أوقاته في الطّاعات والبعد عن المخزيات والمنكرات، فمن أعظم الطّاعات استثمار الأوقات في تلاوة القرآن وقراءته والتَّدبر في معانيه وفهم آياته ومقاصده السّامية وحِكمه العظيمة، هذا الكتاب العظيم ( الذي لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) [فصّلت: 15] .

ولِشِدَّةِ بَيَانِهِ وَتَبْيِينِهِ وُصِفَ بِأَنَّهُ نُورٌ؛ لِأَنَّ النّورَ يُبدّدُ الظُّلُمَاتِ، وَيُرِي السَّائِرَ فِيهَا طَرِيقَهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ*يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) [الْمَائِدَةِ: 42-43] .

وَالدّنْيَا مليئةٌ بِظُلُمَاتِ الشّرْكِ وَالنّفَاقِ وَالْبِدَعِ وَالِانْحِرَافات وَالشّبَهِ وَالضَّلَالَاتِ والموبقات، وَالْقُرْآنُ الكريم مُبَيِّنٌ لِزَيْفِهَا، كَاشِفٌ لِقَارِئِهِ حَقَائِقَهَا، وَيَدُلُّهُ عَلَى الطّرِيقِ السَّوِيِّ فِي التَّعَامُلِ مَعَهَا، فهو كلامُ اللهِ المُعْجِزِ غيرُ مخلوقٍ، المنزّلُ على نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلَّمَ- المكتوب في المصاحفِ، المنْقُولِ بالتّواترِ، المتَعبّدِ بتلاوتِه، المبدوءِ بسورةِ الفَاتِحةِ والمُخْتَتَمِ بسورةِ النّاس منه بَدَأ وإليهِ يَعودُ .

ولقدْ أنزلَ اللهُ هذا الكتابَ المبينَ جملةً واحدة على بيت العزى في السّماء الدّنيا، ثُمَّ نَزَلَ مُنَجَّماً بحسبِ الوقائعِ والأحْداثِ على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم عن طريق الرِّوح الأمين ، جبرائيل -عليه السّلام-. قال تعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ * ) [الشّعراء:193-195] .

ومما يشير إلى فَضْلِ قراءة القرآن وتلاوته ما روي عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - يقول : " اقرؤوا القُرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ . قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ ".

وجاء في الأثر عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قوله : " إذا أردتم العِلْم فانثروا القُرآن، فإنّ فيه علم الأوّلين والآخِرين"  وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَخَذَ السَّبع الأُوَلْ فَهُوَ حَبْرٌ " وتسمّى السَّبعُ الطّوال، فهو عالم مُتَبحّرٌ في العلمِ؛ لأنها متنوعةُ المواضيع، ففيها أبواب الاعتقاد، والأخبار والقصص الكثيرة عن الأمم الماضية، والأحكام الشّرعيّة من فقه العبادات ، كالصّلاة والاعتكاف والزكاة والصّيام والحج والجهاد، وفقه المعاملات كالمداينات والبيوع والنّكاح والطّلاق والفرائض والوصَايا، وغير ذلك من أبواب الدّين والفقه، فكيف بمن حفظ القرآن كله، فقد أُدْرِجَتِ النّبوةُ بين كَتِفَيْه غيرَ أنَّه لا يُوحَى إليه .

ومما أثر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول : " إنّ البيتَ الذّى يُتْلى فيه القرآنُ اتَّسعَ بأهله، وكثر خيره، وحَضَرتْه الملائكة، وخَرَجَتْ مِنْه الشّياطين، وإنَّ البيتَ الذّي لا يُتلى فيه كتابُ الله -عز وجل- ضَاق بأهله، وقلَّ خيره، وخرجت منه الملائكة وحضرته الشّياطين ".

ومن الوصايا القيّمة النّافعة التي كان يُوصي بها مشائخنا الفضلاء طلبتهم –رحم الله من مات منهم وسبقونا إلى دار القرار ، وحفظ الله وأطال في أعمار من بقي منهم- الاستمراريّة والمداومة على قراءة القرآن الكريم ولو بالقَدرِ اليسيرِ يوميّاً، وعدم الانقطاع عن قراءته وتلاوته مهما كانت الظّروف واشتدّت الأحوال وقَصَفَتْ بالأهوال، فبتلاوة القرآن تَهْدأُ القُلوب وتَسْكَنُ النّفوسُ ، وتَنْشَرِح الصّدور فقراءة القرآن العظيم منْ أَرَفعِ الأذْكارِ منزلةً، وأعْلاَهَا مَقَامَا وشَرَفَاً ، قال تعالى   { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب } (الرعد : 28  ) . ولعلَّ لهم سلفاً في ذلك في ذلك الإرشاد والتَّوجيه ، فعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما -قال : «ما يمنعُ أحَدُكم إذا رَجع من سوقه أو من حاجته، فاتكأ على فراشه أنْ يقرأ ثلاث آياتٍ من القرآن» ففي هذا المسْلك العظيم والمنْهَج القَويم الخير العميم، والنّفع الكبير للعبد في دنياه وأخراه ، أدومه وإن قلّ ، وخيْرية هذه الأمة -أمّة الإسلام -مرتهنة بتعليم صِغَارها ووِلْدَانِها سواء أكانوا فِتْيَة أو فَتَيَاتٍ القرآن العظيم، فقد ورد في الأثر عنْ عبدالله بن عيسى-رحمه الله- أنّه قال :  «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا تَعَلَّمَ وِلْدَانُهَا الْقُرْآنَ» .

وهذا الأثر العظيم يحمل في طيّاته من الدّلالات العميقة والمعاني السّامية الشّيء الكثير، فقوّة الأمة الإسلاميّة مسْتمدّةٌ من تعليم الصّغار والأحْداث القرآن الكريم وهَدْيِه القَوِيمِ ؛ لأنّه المصدرُ الذي لا يضلُّ من تمسّك به وعمل بمقتضاه، ولهذا قال : «هَذِهِ الْأُمَّةُ » ، وذلك لأن وجودَ الأمّة الإسْلاميّة بكمال عِزّتِها وقُوَّتِها لا يتسنَّى لها الخير إلاّ بتعليمِ وِلْدانها القرآنِ وتَعلّمه وقراءته والعملِ بما جاءَ فيه من حِكمٍ وأحْكَامٍ وأوَامِرَ وزَوَاجِرَ، وقصص، وأحداث للاتعاظ وأخذ الدّروس والعبر. قال تعالى: « لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ». [ يوسف: 111].

وعليه فإنّ الأمة الإسلاميّة إن تخلّتْ عن تعليم القرآن وتعلّمه وبتمَسُّكِهَا بكتاب ربّها وسنةَ نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- والعمل بمقتضاهما، فقد تخلّتْ عن وجُودِها وقوَّتِها وهَيْبَتِها وجَلاَلِها، فبالتالي لن تَنْعم بالخيريّة التي وُصفتْ بها ووُعِدَتْ .

وجاءت الإشارة في النّص إلى الوِلدان في قوله- رحمه الله- : «مَا تَعَلَّمَ وِلْدَانُهَا الْقُرْآنَ»؛ لأنهم رجال الغدِ وكيان المستقبل، والعلماء العالمون، وعليهم تُعْقدُ الآمالُ العِظَام -بعد الله - والأمورِ الجِسَام فيما يعود بالنّفعِ والخيرِ على البلادِ والعبادِ والإسْلامِ والمسْلِمِين .

وتعاهد الطّلبة بتعليمهم القرآن الكريم تلاوةً وحفظاً وتدبّراً منهجٌ نبويٌّ ومسلكٌ شرعي ، فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال : ((كان النّبي -صلى الله عليه وسلم – يعلمنا التّشهد كما يعلمنا السّورة من القرآن )) وهذا يَدُلّ على أن تعليم القرآن أصلٌ ومنهجٌ يشبه ما كان يتعاهد به النّبي -صلى الله عليه وسلم – أصحابه بالتّعليم ومدارَسة القرآن .

ومما تجدرُ الإشارةُ إلى أن علماء السّلف –رحمهم الله- ما كانوا يُقدّمون على كتاب الله شيئاً من العلوم بل كانوا يحثون طلبة العلم على حفظ كتاب الله أولاً ثم الاشتغال ببقية العلوم الشّرعية والمعارف الأخرى وهو مسْلك أئمة السّلفِ –رحمهم الله-  لأن حفظَ كتابِ اللهِ والعملَ بما جاءَ فيهِ صلاحٌ لشؤون المرء في الدّنيا والآخرةِ .

ولقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله - حيث قال الميمونيّ: "سألت أبا عبد الله: أيهما أحبُّ إليك أبدأ ابني بالقرآنِ أم بالحديث~؟ فقال له: بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ - أي: أعلمه كل القرآن؟ - قال: إلا أن يعسر عليه، إذا لم يستطع حفظ القرآن فلا مانعَ أن تجمعَ بين القرآن وبين سنة النّبي -صلى الله عليه وسلم-".

ويقول ابن مفلح -رحمه الله- في آدابه الشّرعية: " وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زماننا هذا، من عهد الإمام أحمد إلى زمان ابن مفلح وهم يجعلون القرآن هو الأصل في قضية التّعلم" . ( الآداب الشّرعية والمنح المرعيّة 2/33)

وقالَ أَبُو عُمَرَ يوسف بن عبدالبر-رَحِمَهُ اللَّهُ-: " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا، وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ، فَأَوَّلُ الْعِلْمِ: حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَفَهُّمُهُ، وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ، وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَقِيهًا نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ " . (جامع بيان العلم وفضله (526-528).

وقال الخطيبُ البغدادي - رحمه الله -: (ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله عز وجل، إذ كان أجلَّ العلوم، وأولاها بالسّبق والتّقديم) (الجامع لآداب الرَّاوي والسَّامع ص 62).

وقال الحافظ النّووي –رحمه الله- في مقدّمة كتابه المجموع: ((وأول ما يبدأ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السَّلف لا يُعَلِّمُونَ الحديثَ والفقهَ إلا لمن حفظ القرآنَ، وإذا حفظ قالوا: فليحذر من الاشْتِغالِ عنه بالحديثِ والفقهِ وغيرهما اشتغالاً يؤدي إلى نسيان شيءٍ منه، أو تعرض القرآن للنسيان، ثم ذكر بعد ذلك ما ينبغي لطالب العلم أن يحرص عليه  )) .

ومما سبق بيانه يُتوصّلُ إلى أنَّه من الواجب على ولي أمر الأسرة والقيّم عليها الاهتمام بالأولادِ منذُ صِغرهم وتنشئتهم على قراءة القرآن وتلاوته وحفظه وتدبّره والعمل بما جاء به، وأن لا يَغْفَلُوا عن وِرْدهم اليوميّ ويتعاهدونه في يومهم وليلتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .

ويشير العلامة ابن سعدي –رحمه الله- في مجموع الفوائد إلى أنّ  "تدبر القرآن يزيد في علو الإيمان وشواهده، ويقوي الإرادة القلبية،  ويحث على أعمال القلوب من التّوكل والإخلاص والتعلق بالله الذي هو أصل الإيمان  " .

ولا يتم الانتفاعُ بالقرآنِ إلا مع التَّدبرِ. قالَ تَعالى : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " [ق: 37]  واللهُ جلَّ وعلا يقول : " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " [الرَّعد: 28]. ويقول سبحانه وتعالى في محكمِ التَنْزيل: ﴿ يَاأَيُّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]. وحفظ كتاب الله يحتاج من المرء الصّدق مع الغفّار، والصّبر والاستمرار، والدّعاء والاصرار، ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾. [القمر: 57].

وإني لأقول بأنه لا يَأسف الإنسان على فواتِ شيء من مرحلة صباه، كأسفه على ضياع أوقاته من غير تحصيل القرآن تلاوة وحفظا واستظهاراً، فإنَّ حفظ الصّبا لا يعدله شيء ولا يوازيه قدر؛ حضورا في القلب، وأثرا في النّفس، وبركة في الفكر والعقل والعمر..

وهذه وصية محبّ صادق لمن فاته استظهار القرآن وحفظه في الصّبا؛ أن لا يَحْرِم ذريّته ومن جعلهم اللهُ تحتَ يده وولايته مما حُرم مِنه ، ويجاهد كل المجاهدة -ترغيبا أو ترهيبا أن استدعى الأمر ذلك - في تحفيظهم وتعليمهم وتربيتهم بالقرآن وعلى القرآن ومع القرآن، فإنْ لم يَقمْ بنفْسِه وجهده، فبدفعهم لمن يقوم بتأديبهم وتعليمهم بديلا ًبذلك عنه، فإنَّ من شفقتكَ على أولادكَ أخذكَ بأسبابِ نَجَاتِهم، و سَعْيِكَ لنجاحِهم وفَلاحِهم، ولو بِحَمْلِهم على ذلك حملَ المكره، فإنّ بداية الأمرِ عسرٌ ومشقةٌ، وآخره نعيمٌ وسعادةٌ وراحةٌ وسكينة، وقدْ قيلَ : "النّعيم لا يُدرك بالنّعيم "، والمشَقَّة تَذهبُ، والذُّخر والأجرُ ثابتٌ بإذنِ اللهِ مقيمٌ.. 

ولئن تضجّروا واشتكوا وهم يكابدون ويكافحون، فعساكَ في يومٍ ما تَسمعُ دعاءهَمْ لَكَ ، وشُكْرَهُم وثناءَهَم عليكَ عن قريب وفي حياتك .. حينَ يرون فَضْلَهم على أَقْرَانِهم ومكانتهم من بين أترابهم وأندادهم، والأمور تقدّر بقدرها ولكل وقت وزمان ظروفه وأحواله !! فالقرآن منهج حياة المتقين وسيبلُ هدْي المؤمنين. وصدق القائل إذ يقول :

لا تحْزَنَنَّ على الصّبيانِ إنْ ضُربوا         **   فالضَّربُ يَفْنَى ويَبْقَى العِلمُ والأدبُ

الضَّربُ يَنْفعهمْ والعِلمُ يَرْفَعهمْ  **   لولا المخافةُ ما دَانُوا ولا كَتَبُوا

لولا المخافةُ كانَ النّاسُ كلهمُ      **  شِبه الجمادِ فلا علمٌ ولا أدبُ..

 قال الإمام السّيوطيُّ- رحمه الله تعالى-: "وتعليمُ الصّبيانِ القرآنَ، أصلٌ من أصولِ الإسْلامِ؛ فينشؤون على الفطرة، ويَسبِق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل أن تتمكن الأهواءُ منها، وسوادها بأكدارِ المعصية والضّلال". «التَّراتيب الإداريَّة» (2/ 198)

بهذا معاشر -القرّاء الكرام -نكون قد ألقينا الضّوء على موضوع متابعة تعليم الأولاد وتحفيظهم القرآن الكريم وإلحاقهم في الدّور والحِلقِ القُرآنيّة منذُ نشوئهم، لعلَّهم ينالون بذلك الصّلاح في الدّنيا والفلاح في الآخرة، فالله يتولَّى المتَّقين وهو خيرٌ حافظا وهو أرحم الراحمين.

 نسْأل الله أن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن العظيم، وأن يجعلنا من أهله وخاصته، وأن يصلح لنا نيّتنا وذرياتنا، وأن يجعلهم من حفظة كتابه العاملين بسنة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، ويرزقنا الإخلاص والقبول في القول والعمل، وأن يوفقنا إلى العلم النّافع والعمل الصّالح ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وصلى الله وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم ،،،

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،

نفع الله بك وبعلمك

رزان 2023-03-10 المشاهدات 3

ماشاء الله نفع الله بكم وزادكم رفعة
سائلين المولى أن يعلي شأنكم وأن يجعل سطوركم وأقلامكم حجةً لكم لا عليكم وأن يعلي شأنكم ويرفع به منزلتكم جزاكم الله خير الجزاء وجعل ذالك في موازين حسناتكم
أبهج الله قلبك

هيثم إبراهيم 2023-03-10 المشاهدات 2

بارك الله فيما سطرت أخي الدكتور أبا معتز.
كلمات ضافية، وآثار من النور باقية.
جعل الله ذلك حجة لك، ونفع بما قلت.
اللهم آمين

د. ناصر محمد الشمراني 2023-03-03 المشاهدات 1

أضف تعليقك...

 
  • 5765 زيارات اليوم

  • 47905082 إجمالي المشاهدات

  • 3002989 إجمالي الزوار