• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الأحد 2023-01-08

عقوق الآباء للأبناء

بقلم: الأستاذ الدكتور سلطان بن علي شاهين

  • تسجيل اعجاب 1
  • المشاهدات 424
  • التعليقات 0
  • Twitter
عقوق الآباء للأبناء
  1. icon

    مكتب الصحيفة

  2. icon

    جميع مقالات الكاتب

  3. icon

    اجتماعي

الذُّريةُ هِبةٌ إِلهيةٌ ونِعمةٌ رَبانيةٌ، امتَنَّ اللهُ بهَا على عبادِهِ في كتابِهِ الكَريمِ فقالَ سُبحانه: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [النحل: 72].

فالأولادُ مِن أَهمِّ مَا يَطمَحُ إليه الإنسانُ في دنياهُ، ومِن أَعزِّ الأُمنيَّاتِ على قلبِهِ، وأجملِ الرغباتِ في نفسِه: أنْ يَرزقَه اللهُ ذُريَّةً طيبةً صالحةً، تَقرُّ بها عَينُهُ، ويَأنسُ بها فؤادُهُ، وهيَ دُعاءُ الصالحينَ مِنَ الأولينَ والآخرينَ ، قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]، فهُم زَهرةُ اليومِ وثَمَرةُ الغدِ وأَملُ المستقبلِ، بصلاَحِهِم ينالُ الأبوانِ بِرَّهُم، وطَاعَتَهُم، ونَفعَهُم. والأمر المعتاد الذي نسمعه دائماً، تذكير الأبناءَ بحقِّ آبائِهِم وعَدمِ عُقوقِهِم، وهذَا كلامٌ حَقٌّ، غير أنَّ مِنَ المُهمَلِ عندَ الكثيرِ هو الكلامُ عَن عقوقِ الآباءِ للأبناءِ.

نَعم...عقوقُ الآباءِ للأبناءِ، فنحنُ نَرى اليومَ عُقوقاً مِن لونٍ جَديدٍ وشَكلٍ جديدٍ يُمَارَسُ مِن قِبلِ فئةٍ جَاهلةٍ بأمرِ اللهِ وأمرِ رَسولِهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فئةٌ سَامتْ أولادَها سُوءَ العذابِ مِن حيثُ تَدرِي ومِن حيثُ لا تَدرِي. ولأنَّ الإسلامَ أوجبَ على الآباءِ رعايةَ أبنائِهِم، وأداءَ حقوقِهِم، وحثَّ على الاعتناءِ بهِم أثناءَ نَشأتِهِم، وقبلَ ولادَتِهِم، فهُم أمانةٌ في أعناقِهِم، إنْ حافظوا عليها بالتعهُّدِ والرعايةِ وحُسنِ التربيةِ فازُوا وسَعِدُوا في دُنياهُم وفي أُخراهُم، وإنْ أَهملُوهَا وَضيَّعُوهَا خابُوا وخَسِروا في دُنياهُم وفي أُخراهُم. وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على مسؤولية الآباء نحو أبنائهم ، ففي الصحيحينِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

مع هذا التوجيه الكريم منه صلى الله عليه وسلم، نرى في مجتمعنا صُورٌ تَنُمُّ عَن ظلم تَامٍ، وقَطعيةٍ مُجحِفةٍ بينَ الآباءِ وأبنائِهِم، ومِن هذه الصورِ إِهانةُ الأبِ لأُمِّ أولادِه أَو ضَربِهَا أمامَ أَعينِهِم وعلى مَسامِعِهِم، وهذا مِن أَقبحِ الأمورِ وأَرذَلِهَا، فيُربِّي الأبُ في نفسِ وَلدِه الحقد عليهِ وكرهه، إذْ مَكانةُ الأمِّ لا تَعدِلُها أيُّ مكانةٍ في قلوبِ أَولادِها، وهو بذلكَ يُعينُهُم على عَدمِ احترامِ الولدَيْن، الأمرُ الذي يَرجعُ وبَالُهُ عليه شخصياً ثم إلى باقي أُسرتِهِ.

ومِن صور ظلم الآباءِ لأبنائِهِم: التقصيرُ في واجباتِهِمُ الشرعيةِ، ومِن ذلكَ عدم توفيرُ المسكنِ الطَّيبِ والنفقةِ الكافية للأبناءِ، مع أن الأب غَني وقادر ، لكنه يَبخلُ على أهلِهِ وأولادِهِ، وقد يَضطرُّ الأبناءُ إلى سؤالِ الناسِ أو الاقتراضِ منهم أو ربمَا السرقةِ والسَّيرِ في طرقٍ محرمةٍ ، ووزرُ هذا الولدُ على أبيهِ الذي ألجأَه ظلماً وبهتاناً إلى هذا الطريقِ، وقد قال صلى اللهُ عليه وسلم: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ، عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ" رواه مسلمٌ، وفي لفظِ أحمدَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ".

ومِن صور ظلم الآباءِ لأبنائِهِم:‏ المنعُ من الزواجِ والعَضَلُ للبناتِ، بعضهنَّ بدونِ سببٍ وأُخْرَياتٌ بسببِ رَغبةِ أبيها في الاستيلاءِ على رَاتِبِها أو لكي تَخدُمَه، حارماً إياهَا مِن نِعمةِ الزوجِ والولدِ، وعلى النقيضِ مِن ذلكَ فإن من صورِ العقوقِ أن يزوِّجِ ابنتَه لمن لا يستحقَّها إمَّا لقرابتِه أو أنه لَم يَسألْ عن خلقِهِ ودينِهِ، وهذا فيه هَضمٌ لحقِّهَا، وظلمٌ لهَا وتضييعٌ لدِينِهَا.

ومِن صور ظلم الآباءِ لأبنائِهِم:‏ عدمُ العَدلِ بينهم في العَطيةِ والوَصيةِ، وفي الصحيحينِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي اللهُ عنهما، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «اتَّقُوا اللهَ، وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ»، فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، فهذا يؤكد لنا أهمية العدل بين الأبناء، وحرمة عدم العدل بينهم، حتى لا نكون سبباً في عقوقهم وانحرافهم، وهذا السبب حقيقة من أكثر الأسباب التي رأيتها في واقعنا حيث يقع فيه الكثير من الآباء، فيعطي أحدهم ما لا يعطيه لإخوانه، أو يجعل بيده التصرف بالمال يفعل ما يشاء، ويتمتع هو بالمال وإخوته ينظرون إليه، وهم قد يكونون في أشد الحاجة، وهذا من أشد أنواع الظلم من الآباء لأبنائهم، فأي بر ينتظرونه منهم بعد ذلك!

ومِن صور ظلم الآباءِ لأبنائِهِم:‏ الشدةُ والقسوةُ وعدمُ مَعاملتِهِم بالرحمةِ والرفقِ واللينِ؛ المتأمل من الآباءِ أن يَرحمُوا أبناءَهم، ويَعطِفوا عليهِم ، ببسمةٍ حَانيةٍ، وقُبلةٍ ومحبةٍ، وكلماتٍ رقيقةٍ، وتَشجيعٍ وتَنويهٍ، ويَستثمِروا الخيرَ في أولادِهِم، ولنا في رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أُسوةٌ حسنةٌ في رفقِهِ ورحمتِهِ بأبنائِهِ، ففي الصحيحينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ"، وهذه الشدة والقسوة التي يعامل بها الآباء أبناءهم، تدفعهم إلى كرههم، وعقوقهم، وربما دفعتهم إلى الانحراف وسلوك طريق الجريمة.

وَمِنَ صور الظُّلْمِ أيضا: تَسَلُّطُ الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ بِالتَّعَدِّي عَلَى خُصُوصَيَّاتِهِمْ؛ فَبَعْضُ الْآبَاءِ تَسَلُّطِيٌّ لَا يَكَادُ يَسْمَحُ لِابْنِهِ فِي اخْتِيَارِ مَا يُحِبُّ، وَلَا يَتْرُكُ لَهُ مُتَنَفَسًّا؛ فَالْأَبُ هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ التَّخَصُّصَ الَّذِي سَيَدْخُلُهُ الِابْنُ فِي الْجَامِعَةِ حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ الِابْنُ، وَهُوَ الَّذِي يَخْتَارُ وَيُحَدِّدُ لَهُ الزَّوْجَةَ، بَلْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْمُرُ ابْنَهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُحِبُّهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا خِلَافٌ، وَبَلَغَ بِبَعْضِهِمْ أَنْ يَذْهَبَ مَعَ ابْنِهِ إِلَى السُّوقِ؛ لِيَخْتَارَ لَهُ الْمَلَابِسَ وَلَوْنَهَا وَتَفْصِيلَاتِهَا، فَأَيُّ شَخْصِيَّةٍ سَتُوَلِّدُ تِلْكَ الْمُعَامَلَةُ؟! غَيْرَ رَجُلٍ سَلْبِيٍّ لَا ثِقَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ، مَسْلُوبِ الْإِرَادَةِ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ شَيء.

فالمسلم يحسن إلى أولاده، ويعينهم على طاعته وبره، ورَحِمَ اللهُ رجلاً أعانَ ولدَه على بِرِّهِ، قال تعالى﴿ربَّنا هبْ لنَا مِن أزواجِنَا وذرياتِنَا قرةَ أَعيُنٍ﴾ [الفرقان: 74] اللهم أعنَّا على برِّ أبنائِنا، وأصلحْنا لهم وأصلحْهُم، وإذا أردنا أن نعلِّمَ أولادنا ونربيهم فليكُن ذَلكَ بأفعالِنا قَبلَ أَقوالِنا؛ فإنَّ القَولَ يُنسَى والفعلَ يَبقَى، فإذَا أَردتَ أنْ يكونَ وَلدُكَ محافظاً على الصلاةِ فاجعلهُ يراكَ أَمامهُ في المسجدِ، وإذا أَردتَه باراً بوالدَيْهِ فلَعلَّه يراكَ مَع وَالدَيْكَ باراً، ولعلَّ لنا الأُسوة الحَسنة في حبِيبنا صلى اللهُ عليه وسلم قولاً وفعلاً، يقولُ أنسٌ رضي اللهُ عنه: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا غُلَامٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ أَكُونَ عَلَيْهِ مَا قَالَ لِي فِيهَا أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِي لِمَ فَعَلْتَ هَذَا أَوْ أَلَّا فَعَلْتَ هَذَا» متفقٌ عليه.

يقولُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَامِرٍ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ».

هذهِ هيَ القُدوةُ التي تَتربَّى عليهَا النفوسُ بلا كثرةِ كَلامٍ ولا طُولِ قَولٍ، ولذلكَ فإنَّ مِنَ العقوق أَن يَرى مِنكَ وَلدُكَ مَعصيةً للهِ ورَسولِهِ، مِنَ العقوقِ أنْ يَراكَ وَلدُكَ على مُحرَّمٍ، مِنَ العقوقِ أنْ تَكونَ عَوناً للشيطانِ علَى وَلدِكَ، نسأل الله أن يوفقنا في تربية أبنائنا، وأن لا نظلمهم، وأن نعينهم على برنا وطاعتنا.

 

أضف تعليقك...

 
  • 5728 زيارات اليوم

  • 47905045 إجمالي المشاهدات

  • 3002989 إجمالي الزوار