• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الأحد 2022-11-13

أماكن التربية والتعليم عند المسلمين

  • تسجيل اعجاب 2
  • المشاهدات 361
  • التعليقات 1
  • Twitter
أماكن التربية والتعليم عند المسلمين
  1. icon

    بقلم / د. سليمان بن أحمد قندو

  2. icon

    جميع مقالات الكاتب

  3. icon

    تاريخي

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشْهَدُ أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله .. وبعد :

فلقد أولى المسلمون منذ اللّحظات الأولى العناية الفائقة والاهتمام البالغ بالأمكنة التّعليمية، والمؤسّسات التّربوية، فكانت أولى المحاضن التّربوية التي استفاد منْها الرّعيل الأول من الصّحَابة –رضوان الله عليهم– دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه حيث كانَ النَّبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بالصَّحابة –رضوان الله عليهم – يُعلّمهم تعاليم الإسلام، وأمور الدّين الحنيف، والأحكام والشرائع، ويتلو عليهم الآيات البيِّنات مُفصِّلاً وشارحاً لهم ما قد يخفى عليهم من إعجاز المعاني، وبديع البيان، لتنشرح صدورهم وتَنْفُذ إلى صميم قلوبهم، فيفهمون المراد من محكم الكتاب، أما المتشابه منه فقد كانوا يفهمونه بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم وإيضاحه لهم بتقريب المعاني وبسطها، فأصبحوا بعد ذلك دعاة لهذا الدّين القويم في أرجاء المعمورة، قال تعالى: ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) سورة آل عمران الآية(110). 

ولقد تعددت الوسائط التّعليمية والتّربوية التي تُعْنى بتعليم الصبيان وتربيتهم، والعناية بهم، فمنها ما هي مخصَّصة لتأديب أبناء الخلفاء وعِلية القوم من أبناء الأمراء والوزراء والحجّاب، والنّدماء، في قصور الخلفاء، أو في البوادي ولقد كانت بادية الشام مقر قصور الخلفاء الأمويين في عهدهم، حتى عدّ كثير من المؤرخين ومحققي الأدباء بأن البوادي وسيطا تربويا وتعليميا في تلك الحقبة الزّمنية والتي أسهمت في تكوين البناء الجسميّ السليم وتنمية الملكات اللغوية ، وقد جرت عادة العرب والمهتمين بتربية أبنائهم منذ العصر الجاهلي بإرسال أبنائهم إلى المراضع في البوادي والقرى من أجل نقاء الرّضاعة والتنشئة على كريم الخصال، ونبيل الصفات والخِلال، واكتساب الفصاحة والبلاغة وأدب المحادثة من أهلها، وتعلم الفروسيّة وضروب الرّياضة وفنون القتال والمبارزة، وقد أخذت السّيدة حليمة السعدية النّبي – صلى الله عليه وسلم-  إلى روابي بني سعد ومرابيها وأرضعته، ونشأ بها إلى أن شبّ وترعرع، والقصة مبسوطة في كتب التّاريخ والسير. [ ابن هشام ، السيرة النبوية، (1/148)، وصليحة رحمة الله: الطفل عند العرب، مجلة المؤرخ العربي، (ص189-190)] ، مع توفير كافة احتياجات الطّفل من لوازم مادية ومعنوية، كما أن هناك وسائط تعليمية أخرى تقوم بتربية وتعليم أبناء العامة في الكتاتيب، والمساجد والجـوامع، ومنازل العـلماء... وغيرها.

ولقد أثمرت تلك المؤسسات التّربوية نتائج ملموسة في نفوس الصبيان والناشئة؛ لأنها لم تكن تهتم بالجانب المعرفي فحسب، بل كانت تهتم بتأديب النشء وتهذيب سلوكهم وتربيتهم وتعليمهم.

وعندما هاجر الصَّحابة – رضوان الله عليهم - من مكة المكرمة إلى المدينة النّبوية تاركين وراءهم أهليهم وأموالهم، استجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظاً على دينهم، أصبح المسجد المحضن التّعليميّ الأساسيّ لاستيعاب المسلمين وتلقينهم شرائع الدين، والنظر في مشكلاتهم والسّعي لإيجاد الحلول لها والإجابة عن استفتاءاتهم وتساؤلاتهم، ولم تقتصر وظيفة المسجد على أداء العبادات فحسب، بل تعدى ذلك إلى الاهتمام بالتعليم والعناية بالتأديب.

ونظراً لعناية منهج التربية برعاية و بتأديب الصبيان وتهذيب سلوكهم فقد تكونت نواة مباركة وبذرت نبة طيبة تعد المكان الأول لتعليم الصبيان مباديء القراءة والكتابة وحفظ قصار السور من القرآن الكريم، حتى أصبحت فيما بعد مؤسسة تعليمية لا غنى لأفراد المجتمع عنها، ألا وهي " الكتاتيب " ومع التقدم الحضاري الذي حققته التربية الإسلامية في العصر العباسي بدأت هناك مؤسسات تربوية أخرى كدور الحكمة في بغداد والقاهرة، وقرطبة وطليطلة... وغيرها تُعْنَى بتنشيط الحركة العلمية والفكرية، والاضطلاع بحركة التصنيف والترجمة، وتنمية ملكة البحث والمناظرة المحاورة، ثم ظهرت فيما بعد المدارس النظامية، وكان من أشهرها المدرسة النَّظامية في بغداد والتي أنشئت في عام (457ه‍) على يد نظام الملك ؛ لأن له الفضل في إنشاء المدارس الكثيرة، التّي عرفت بالنَّظاميات.

ويذكر المقدسيّ في مقدِّمة كتابه (أحسن التّقاسيم في معرفة الأقاليم) قوله: (وأقيمت في المدارس، وذكر في الجوامع، واختلفت إلى المدارس) وهذا يعني أنَّ المدارس كانت معروفة في زمنه، وهو من أهل القرن الرَّابع الهجريّ.

ولقد تميّزت المدارس في تلك العصور بسعتها، وقدرتها على تلبية احتياجات الطلبة، ففيها (الإيوان) الذِّي يرادفه (قاعة المحاضرات) في التّعبير الحديث، وفيها المساكن التّي تبنى ليعيش بها الطلاّب والمدرِّسون الذِّين ينتسبون إليها، وفيها المرافق التّي تحتاجها المدرسة والمساكن مثل المطبخ، وحجرة الطَّعام (صالة المطعم) وما شابهها، وهذه نماذج متقدِّمة لسكن الطلاّب ومهْجَعِهم وخدماتهم.

وكانت بعض المدارس أشبه ما تكون بالجامعة في سعة بنائها، وتنوّع العلوم التّي تُدرس بها، وما فيها من معالم وجرايات وهي ما يعطى للطالب من راتب وكساء ومعونة وغير ذلك؛ فإنها تكفل للطالب مسكنه والنَّفقة على إعاشته ومعالجته إذا احتاج إلى طبيب، وتقديم الكتب والثِّياب ... الخ.

ونجد هذا في المدارس الكبيرة التّي أنشئت في العالم الإسلاميّ، قبل نُشوء الجامعات الأوربيَّة بقرون، فما كان فيها من حسن التّنظيم والتّنسيق والرِّعاية ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز والإشادة، ونجد هذا في المدرسة النَّظَّامية، والمدرسة المستنصريَّة ببغداد، وفي المدارس في الشّام والقاهرة وغيرهما من بلدان العالم الإسلاميّ.

كما كانوا يختارون للمدرسة أجمل المواقع، المشرفة على النَّهر أو المنتزهات، وقد يحفّونها بحديقة تتخلّلها المياه، ويعنون بزخرفة بناياتها وتجميلها مما يدفع الملل عن الطَّالب وينشّطه للدَّرس والاستفادة.

ويصف البَدريّ المدرسة الخاتونيَّة بدمشق فيقول: (وهي من أعاجيب الدَّهر، يمرّ بصحْنِها نهرُ (بانياس)، ونهر (القنوات) على بابها، ولها شبابيك تطلّ على المرْجا، وبها ألواحُ الرّخام لم يسمع الزَّمان بنظيرها، وعدّة من خلاوي الطلبة ).

وأمَّا المدرسة المستنصريَّة التّي بناها الخليفة العباسي المستنصر بالله في بغداد ما بين (625-631هـ)، فكانت من أعاجيب البناء بسعتها وموقعها وتخطيطها، وجمالها ، وأقسامها المختلفة، وما فيها من روائع التّزويق والتّطعيم والزخرفات، وبلغت النَّفقة عليها سبعمائة ألف دينار،  وبلغت مساحتها حوالي (4836)م2. وكان فيها أربعة أواوين لتدريس الفِقه على المذاهب الأربعة، وفي كلّ رواق مُدرّسان، ولكلّ منهما نائبان (معيدان) وستّون طالباً، ولكلّ طالب جراية محدّدة ، وأجرة معلومة وافرة، مع قَدْرٍ من اللّحم، والطَّبخ، والحلوى، والفاكهة، والصَّابون، والفرش.

وسرت العناية بأعضاء الهيئة التدريسيّة والطاقم التعليميّ فكان لكلّ فقيه في المدرسة كلّ يومٍ أربعة أرطال من الخُبز، وغَرف طبيخٍ مما يُطبخ في مَطْبخ المدرسة، وفي كلّ شهر ديناران غير الحلوى والفاكهة والزّيت والصَّابون. ولكلِّ مدرِّسٍ في كلّ يوم عشرون رطلاً خبزاً، وخمسة أرطال من اللَّحم، بخُضرها وحوائجها وحطبها، وفي كلّ شهر اثنا عشر ديناراً، وللمعيدِ في كلّ يوم سبعة أرطال خبراً، وغرفان طبيخاً، وفي كلّ شهر ثلاثة دنانير.

وبنى الخليفة مقابل المدرسة (ملحقاً بها) دار القرآن، ودار الحديث، وقسم النَّحو، وإيوان الطبيب الذِّي يشتغل فيه مع الطبيب عشرة مساعدين، وكان في هذا الإيوان ساعة تعرف بها أوقات الصَّلوات المفروضة.

وكذلك كان في المدرسة خزانة الكتب التّي تحوي آلاف الكتب في مختلف العلوم والتّخصُّصات، ولها مشرفون عليها، ومتعهِّدون لكتبها، ولهم جرايات محدّدة وافرة. ومن ملحقات المدرسة: المخزن، والحمام والصيدليَّة والبستان.

واشتهر العديد من المدارس مثل: دار الحكمة التّي أنشأها الخليفة هارون الرَّشيد، ورعاها المأمون، والمدارس النَّظَّاميَّة التّي أسّسها نظام الملك السَّلجوقيّ، ودار العلم في القاهرة، والمدرسة النَّوريَّة الكبرى التّي أنشأها نور الدِّين زنكيّ بدمشق .... وغيرها.

ولقد ظهرت فيما بعد مؤسسات وأماكن للتَّربية والتَّعليم فرضتها ظروف العصر وما تحقق في المجتمع من تقدم علمي وازدهار ثقافيّ كالملتقيات الأديبة في قصور الخلفاء ومجالس الوجهاء، والتي كانت تعقد بها حلقات للعلم منتظمة يحضرها العلماء المتخصصون في أفرع المعارف والعلوم المختلفة للمباحثات العلمية والمناظرات النافعة، وكذا منازل العلماء والتي تعد بمثابة ( معاهد علمية متخصصة يرتاد إليها قاصدوها من طلبة العلم المتخصصين في فروع العلم المتعددة من كل مكان ).

وبهذا نكون قد ألقينا الضوء على إيضاح أمكنة التّربية والتّعليم عند المسلمين في العصور السّابقة ، ولعل الحديث القادم -بمشيئة الله-سيكون حول أثر العلوم الإسلاميّة على صناعة الحضارة الغربية وصياغتها .

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص والقبول في القول والعمل، وأن يوفقنا إلى العلم النافع والعمل الصالح ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وبارك على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،

السلام عليكم
اسعد الله أوقاتكم
معلومات ماتعة وتاريخ مجيد
واسلوب جميل
أحسنت أحسنت

ابو عبدالملك 2022-11-14 المشاهدات 1

أضف تعليقك...

 
  • 5712 زيارات اليوم

  • 47905029 إجمالي المشاهدات

  • 3002989 إجمالي الزوار