• icon لوحة التحكم
  • icon

icon الأحد 2018-09-23

الحاجةُ إلى تطبيق موقف ابن عمر رضي الله عنهما من الفتن

  • تسجيل اعجاب 1
  • المشاهدات 554
  • التعليقات 0
  • Twitter
الحاجةُ إلى تطبيق موقف ابن عمر رضي الله عنهما من الفتن
  1. icon

    بقلم / أ.د. غازي بن غزاي العارضي

  2. icon

    جميع مقالات الكاتب

  3. icon

    اجتماعي

لا يختلف أحد على أهمية دراسة التاريخ والحفر في كنوزه والتنقيب عن معادنه النفيسة، خاصة إذا تشابهت الظروف وتكررت الأحداث وبرزت المقارنات المنطقية وإذا قلنا: إن التاريخ يعيد نفسه بغض النظر عن صحة تلك المقولة أو عدم دقتها، فإن القاسم المشترك والجامع لشعبها إدارة ملاك الأسباب والمعطيات على فلكها، لنخلص منها إلى دروس عملية مزدوجة: قبل وبعد وقوع الأزمات والمعضلات السياسية، فما أشبه الليلة بالبارحة حيث تمور منطقتنا العربية بأحداث مقلقة تصطبغ أحيانا بالدم وبصور نسبية منذ زمن بعيد، ومن العسير توقيتها بما يسمى بالربيع العربي ذلكم اللقب السياسي الذي أطلقته الصحافة الغربية على الثورات الشعبية في بعض الدول العربية ولو صدقوا لقالوا: (الخريف العربي) ولكن أحداثه بلا خلاف تعتبر زلازل تفجرت على حين غِرة، وانتهت إلى نتائج كارثية ومأساوية بالغة الخطورة، اتخذت منها النخب العربية مواقف قدداً، فأيدها جلهم تحت تراكمات تأثير العواطف الجياشة، ومظاهر الصراع الطبقي، والمعضلات الاجتماعية والاقتصادية الخ، فاندفعوا لها مؤيدين ومبشرين بمستقبل زاهر للعرب، بيدأنها كانت طامات مدمرة أهلكت الضرع والزرع، وبردود فعل أشد عنفاً، سواء من جانب الثورات المضادة أو من أدوات الدولة العميقة أو من الغرب ذي النفوذ القوي المتجذر في شرائح وأوصال وجذور الدولة العربية الحديثة ونخبها، الذي استثمر تلك الأحداث في مزيد من الدمار المادي والعقدي والفكري والمذهبي والنفسي الخ للعرب عامة، وكان الحصاد الفكري لهذه الأحداث بين النخب تقاذف التهم وتحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، وحينما إنجلى الغبار وكشف الواقع المأسوف عليه مخرجاتها ومعطياتها، كان من المنطقي أن ندرسها بكل تجرد وشفافية، فربما تكون الأحداث القادمة أشد عنفاً من ذي قبل، فحركة التاريخ أشبه بالمناخ لا تعرف الإستقرار وتقدف بالمفاجآت، وعلينا أن نوظف أدوات البحث العلمي ودروسه، لمعالجة مالا يمكن التنبؤ به مستقبلاً، خاصة في ظل الخلل البنيوي للبنى الاجتماعية، وكسر الحواجز النفسية، وعدد قنوات التأثير الفكري عبر أدوات التواصل الإجتماعي والفضائي، وقد اخترت أنموذج التعامل السياسي والفكري الورع والحذر لابن عمر- رضي الله عنهما- كدرس تاريخي وتجربة ثرية لا يمكن لأحد أن يزيفها بزيادة أو نقص، وعلى  ضوئها نستشرف دراسة آمنة للمستقبل السياسي الخطير في أقطارنا العربية مهما تردت الأحوال، فإن النخب العربية بمختلف اتجاهاتها وتياراتها لم  تستوعب الدروس جيداً، ودخلت في نقاش بيزنطي يستهدف تصفية الحسابات الحزبية والنكاية المذهبية والفكرية، وذهلت عن المعضلات الحقيقية التي أحاطت بالوجدان العربي ومشاعره وأمنه ومعيشته اليومية، فأردت طرح رؤية ذات سمة منهجية سلفية راسخة لأحد أعلام السلف الصالح الأوائل، تكشف عن عبقريته السياسية الفذة، والتي تمثل أحد أركان النظرية السلفية في السياسة الشرعية التي نضجت وأُصلت بعد عصره.

 لم يكن - رضي الله عنه - ناسكاً متحنثاً وقذه الزهد والتحنث عن السياسة فحسب، ولم يكن جباناً متزلفاً متملقاً، ولم يكن يعيش في صومعة معتزلاً للناس، بقدر ما هو عالم ضليع، وفقيه سياسي متمكن، ومربي تربوي عظيم، ومحدث كبير يملك رؤية سياسية عميقة، ورغم أنه أحد افراد اللجنة السداسية التي عُهد اليها اختيار الخليفة الثالث وحضوره المداولات السياسية الحامية الوطيس التي انتهت باختيار عثمان - رضي الله عنه - خليفة للمسلمين، لم يغره ذلك يوماً من الدهر بالتطلع إلى المناصب القيادية وهو - كفؤ لها بلا شك - فشهد مؤامرة مقتل عثمان - رضي الله عنه - وأبدى رغبته في الدفاع عن الخليفة، الذي رفض بدوره كل تدخل سوى محاجته ومناظرته وإقامة الحجة على الثوار المارقين.

وتعامل رضي الله عنه  في نفس الوقت مع القتلة - بعد وقوع الجريمة النكراء- بكل هدوء وحنكة دون أن يبرر صنيعهم الإجرامي أو يسير في  ركابهم ولم ينقطع عن الصلاة خلفهم في المسجد النبوي خلال تلك الفترة العصيبة والأيام الحالكة، وكانت علاقته بالخليفة الرابع علي ابن ابي طالب - رضي الله عنه - تتسم بحسن التقدير والاحترام والوفاء لبيعته، واعتزل المشاركة في الحروب البينية بين أهل الشام والعراق، واستمر على هذه الحال حيث لم يرو عنه قولاً أو فعلاً يثير الفتن أو يشعلها، أو يؤجج المشاعر ويثير الفتن.

وحينما آلت الخلافة إلى معاوية رضي الله عنه لم يتردد في بيعته، وبقي وفياً لرؤيته ومواقفه السياسية الرصينة، وعلى إثر وفاة معاوية رضي الله عنه وعهده بالخلافة لابنه (يزيد) لم يتردد كذلك في بيعته دون رغبة او رهبة، وإنما بقناعة سياسية محضة، وحين أزمع الحسين- رضي الله عنه - على الخروج إلى العراق حاول إثناءه عن ذلك دون جدوى، حيث إن التجربة السابقة لأهل العراق مع أبيه وأخيه الحسن رضي الله عنهم لا تشجع ابداً وتشي إلى عدم الثقة بهم والركون اليهم، وقد وصفهم علي بن أبي طالب في خطبته الشهيرة بقوله:- يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا أحلام الأطفال، وعقول ربات الحجال، إلى أن قال: لا رأي لمن لا يطاع - وهو وصف لا يمكن تنزيله على أهل العراق جملة وتفصيلاً عبر الزمان والمكان، ولكنه حادثة عين تقتصر على ظرفها المحدد، فقد انحاز جزء من جيشه إلى مذهب الخوارج وتثاقل بعضهم عن النهوض في المهمات الصعبة ودب الخلاف بينهم، وحينما بويع للخليفة الخامس الحسن بن علي -رضي الله عنهما- وشروعه في الإجراءات السريعة لتوحيد الأمة بعد الحادث الجلل بقتل الخليفة الرابع - علي رضي الله عنه - تفرقوا من بين يديه ومن خلفه ولم يبق معه الا القليل، لذلك أدرك بثاقب بصره ونور بصيرته أنه لن يحقق أهدافه الخيرة فضلاً عن حفظه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين) فتنازل عن الخلافة طائعاً لا خاضعاً ومحتسباً لا طامعاً من أجل حقن دماء المسلمين، وحين نقض أهل المدينة بيعة يزيد، ناصح ابن عمر قائدهم عبدالله بن مطيع الأنصاري، بالتخلي عن المواجهة والإذعان لصوت العقل وبيعة يزيد، ولما رفض ابن مطيع نصحه حمل أهله ومواليه معتمراً إلى مكة، ولم يشهد أحداث معركة الحرة والأحداث الفظيعة المصاحبة لها، والتزم الصمت والحياد الإيجابي فيما تلا بعد من أحداث سياسية، والتي ترتب عليها مقتل عبدالله بن الزبير -رضي الله عنهما - وهدم الكعبة، وتعامل مع الحجاج بن يوسف الثقفي، بناء على أوامر صادرة من الخليفة عبد الملك بن مروان بقيادة شؤون  الحج، دون إقرار لظلمه أو تأليب أو تحريض عليه، وهكذا نطوي صفحة حياة هذا الفقيه والعالم والمحدث والمصلح الاجتماعي والمربي الزاهد، دون أن نسجل عليه في لحظة من حياته، التورط في تحريض على فتنة أو مشاركة في ثورة، أو التورط في سفك دم مباشرة أو بفتوى صادرة منه، وأثبت لنا التاريخ المحايد صوابية رؤيته وثبات مبادئه، وسعة وبعد نظره.

 إن خير أسلوب في التعامل مع الأزمات والفتن السياسية هو: اعتزالها وإلجام اللسان من الخوض فيها، وإغماد السنان من سل السيف في دمائها، مع بث الوعي الحكيم، والنصح الأريب بالمحافظة على المصالح الكبرى للأمة، ودرء المفاسد العظمى عنها.

 إن حاجتنا لفهم وتطبيق رؤية ابن عمر - رضي الله عنهما- وبلورتها في مهنجية عقلية وعملية وسلوكية ومنهجية سياسية، ضرورة للنهضة العربية الحديثة والمعاصرة، التي قعدت بها القلاقل والأزمات السياسية عن التطور والمنازلة والإقلاع الحضاري، وأثرت سلباً على الإستقرار والسلم الإجتماعي، وادعو الباحثين في الإجتماع السياسي والتاريخ والدعوة الخ إلى إجراء البحوث المعمقة حول شخصية هذا الصحابي الجليل ونظريته السياسية، التي أكدت أن التجرد من الأهواء، والزهد في الرئاسة والتسنم للزعامة، وإدراك فقه المصالح ودرء المفاسد، والتريث والهدوء، معالم أساسية في شخصيته - رضي الله عنه -، رغم جلبة ضخامة الأحداث من حوله وردود أفعالها التوسنامية المزلزلة.

 فبقي عف اللسان، سليم الصدر، معافى من الدماء المعصوم, إن بروز شخصيات اعتبارية عامة، تؤمن بهذا المنحى السياسي الحكيم، ولاسيما إبان ترادف الفتن وتطاحنها  يساعد بلا شك على تماسك الوحدة ومتانة اللحمة ودرء الاخطار عن الاوطان والامة.

أضف تعليقك...

 
  • 595 زيارات اليوم

  • 48175600 إجمالي المشاهدات

  • 3007300 إجمالي الزوار