ذكريات الطفولة ودروس الحياة


الثلاثاء 2025-01-14

نشأت طفولتي في كنف والدين كريمين، وسط بيت مستقر يعمه الهدوء والسكينة. وكانت البدايات البسيطة مليئة بالقصص والعبر التي صاغت شخصيتي. أذكر أن أخي الأكبر -رحمه الله- كان معلمي الأول في عالم التجارة، حيث أسس "صندقة صغيرة" بجوار بيتنا، بناها من بقايا الخشب والمسامير المتهالكة، وجعل لها بابًا بسيطًا يفتح مع نسمات الهواء.

كانت تلك الصندقة تحتوي على الحلويات الشعبية آنذاك، مثل "شختك بختك"، "أم العود"، "حلاوة نعناع"، و"حلاوة عسلية"، وهي أصناف قليلة ولكنها محبوبة. الحارة كانت صغيرة، أهلها معروفون لبعضهم البعض كأنهم أسرة واحدة، تعمّ بينهم المحبة والود، وكانت السرقات أمرًا نادرًا، إن لم تكن معدومة. المحلات تُغلق بشرشف بسيط أو علامة، والتجار يتركون بضاعتهم ويعودون مطمئنين ليجدوا كل شيء في مكانه كما تركوه.

كنت أرافق أخي إلى سوق "برحة باب المصري"، حيث كنا نشتري الحلويات بالجملة، ثم نعود لنبيعها في الصندقة الصغيرة. تعلمت منه فن التعامل مع الزبائن، وطرق الأخذ والعطاء، وكان يحرص على تشجيعي في هذا المجال. كانت تلك الصندقة مدرستي الأولى في التجارة، وأخي معلمي الذي غرست نصائحه فيّ حب العمل والاجتهاد.

الخلاصة:

• للأخ الأكبر تأثير كبير في بناء شخصية إخوته، فهو قد يكون معلمًا وموجهًا لهم في مراحل حياتهم الأولى.

• تشجيع الأهل لأبنائهم على تعلم المهن وممارسة التجارة منذ الصغر كان قاعدة تربوية أساسية في الماضي، حيث كانوا يؤمنون بالمثل القائل: "صنعة في اليد أمان من الفقر."

• كما قال الله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} فالأخ سند ومعين في المواقف الصعبة، كما هو رفيق في دروس الحياة. رحم الله تعالى أخي الحبيب وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة. آمين.