‏‎‏‎‏‎‏ مجمل آيات العفاف، في سورة النّور


السبت 2024-04-27

وقفات تأمّلية:

وضعت هذه السورة الكريمة الحلول الناجعة لكثير من المشاكل التي تقض مضاجع البيوت المطمئنة، وتنسف الأسر الآمنة، وتقطع أواصر المحبة بين الأزواج، وقد جرى التعرف عليها من خلال تأمّلنا في الآيات التي ترشدنا إلى تلك الحلول في اللقاءات السابقة، وهنا نريد أن نذكر بأهم ما جاء فيها من أوامر إلهية، وإرشادات ربّانية، وحكم ومواعظ، وهي على النحو التالي:

أولاً. الأمر بالاستئذان والسلام قبل الدخول، وبيان الأحكام المتعلقة بذلك الاستئذان، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

ثانياً. الأمر للمؤمنين والمؤمنات بالغض من الأبصار وحفظ الفروج، وما يتعلق بذلك من أحكام، (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّالآية.

ثالثاً. الأمر بتزويج الأيامى الذين ليس لهم أزواج من الرجال والنساء، يعني لا يبقى رجل بدون زوجة، ولا امرأة بدون زوج، وعلى المجتمع بكل فئاته أن يعمل على تحقيق هذا الأمر الإلهي الكريم- في المجتمع، وتذليل كل الصعوبات التي تقف عائقاً في طريق تيسير أمر الزواج، ولو كان ذلك العائق هو الفقر، لأن الله تعالى- سوف يغنيهم من فضله، (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وقيل في الأمثال القديمة" زوجوهم فقراء، يغنيهم الله- " وكذلك لو كان ذلك العائق هو الطبقية الاجتماعية، فمن لم يستطع أن يتزوج الحسيبة النسيبة ذات الجمال والمال، فليظفر بذات الدين، أو صاحب الدين، لقوله: (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ).

رابعاً. الأمر بالعفاف للذين لم يتزوجوا من الشباب والفتيات حتى يغنيهم الله- بالزواج المبارك، ولا يحملنهم استبطاء الزواج على طلبه بغير مرضاة الله عز وجل- فإن علم الله- منهم إيمانهم وتقواهم فسوف يغنيهم من فضله، (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ).

خامساً. تيسير أمر المكاتبة للعبيد والإماء وإعانتهم على أن يكونوا أحرارا، فيتمكنوا من الزواج وعصمة أنفسهم عن البغاء، وعدم إكراه الإماء عليه كما كان سائداً في الجاهلية، (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

سادساً. حفظ العورات، فكل إنسان له عورة، وكل بيت له عورة، وكل مكان له حرمته التي يجب ألا يتعدى عليها أحد، لا بالدخول بدون إذن، ولا بالنظر ولا بأي وسيلة إلا بما أمر الله تعالى- به وشرع، وحيث إن العبيد والإماء ومن في حكمهم من السائقين والخادمات، وكذلك الأطفال الذين لم يبلغوا الحُلم، هم جزء من أهل البيت الذين يترددون على أصحابه لخدمتهم والاهتمام بهم، فقد بيّن سبحانه- أهمية ستر العورات عنهم حفاظاً على كرامة البيت وأهله، ومنعاً للفتن والشبهات، ودرءاً للمصائب والبليات، وأمر بأن يستأذنوا قبل الدخول في الأوقات الثلاثة التي يغلب على الناس أن يكونوا شبه متعرين أو في أوضاع غير عادية، أما في غير تلك الأوقات الثلاثة فإنه ينبغي لأصحاب البيت أو المكان أن يكونوا في أوضاع محتشمة وملتزمة للآداب المتعارف عليها من الثياب الساترة المناسبة، لأنهم معرضون لأن يدخل عليهم من الخدم والحشم والأطفال الذين يخالطونهم ويخدمونهم ويحتاجون إليهم في أي وقت من الأوقات - في غير تلك الأوقات الثلاثة المشروعة – بدون استئذان، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، أما إذا بلغ الأطفال الحُلم، عندها ينطبق عليهم حكم الاستئذان في كل الأوقات كما شُرع للذين من قبلهم من الرجال والنساء، (إِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

سابعاً. شرع سبحانه وتعالى- للقواعد من النساء وضع ثيابهن، والمقصود بها الثياب الظاهرة التي بوضعها لا يبدو شيء من البدن، وشرط عليهن عدم التبرج بزينة تلفت الأنظار إليهن، كما حبب إليهن العفاف عن وضعه، لأنه خير لهن، حفظاً لكرامتهن، وإجلالاً لقدرهن، (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).

وقال عليه الصلاة والسلام:(من ستر عورةَ أخيه؛ ستر اللهُ عورتَه يومَ القيامةِ، ومن كشف عورةَ أخيه المسلمِ؛ كشف اللهُ عَورتَه حتى يَفضَحَه بها في بيتِه).