|
|||||||
عندما يتقابل رجل مع امرأة، بأي مكان أو زمان، وبأي وسيلة كانت، في السوق أو الشارع أو مكان العمل، أو التلفون أو وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي. وأياً كانوا سواءً أقارب أو أباعد، وزملاء أو مجرد عابري سبيل. وأياً كان هذا الرجل أو تلك المرأة، شاب أو شابة، كبير أم صغير، مهما كان لونه أو حجمه أو وزنه، غني كان أم فقير، شريف أم صعلوك، ففي كل الأحوال هناك عوامل مشتركة بينهما وهي: الميل الفطري لكل منها تجاه الطرف الآخر. النفس الأمارة التي تدفع الإنسان إلى الشهوات. الشيطان الذي يتربص بالإنسان ليورده المهالك. لا تقل لي هذا ملتزم وذاك "داشر"، أو هذا عاقل وذاك متهور. ولا تقل هذا ثقةً وذاك لا يؤمن له جانب. ولا تفل هذا مؤدب وذاك قليل أدب، وهذا يخاف الله وذلك عاصي لربه تعالى. الكل بشر، يضعف ويقوى، يقبل ويحجم، يكر ويفر، حسب قوة المؤثرات، وإتاحة الفرص، وتوفر الخلوات. ويبقى الطرفين الرجل والمرأة يواجهان مصيرهما، وكل منهما قد أخذ وضع القرفصاء، لينقض على فريسته مثل أسدين جائعين وجهاً لوجه، يدفعهما الميل الفطري والنفس الأمارة والشيطان الذي ينسج عليهما خيوط شباكه بقدر غفلتهما عن ذكر الله. فإن كانوا ممن يذكرون الله كثيراً فإن تلك الشباك تكون ضعيفةً، واما لو كانوا ممن لا يذكرون الله إلا قليلاً، فإن تلك الشباك تكون قويةً بقدر قلة الذكر والبعد عن الله لكل منها. على أي حال فإن اللقاء بينهما هو مفتاح التفكير، والتفكير مفتاح الميل الفطري، والميل الفطري مفتاح الشهوات، والشهوات مفتاح الرغبات، والرغبات هي مفتاح الخير أو الشر، أو الصراع مع النفس والهوى والشيطان، في مقابل الخوف من الرحمن ومن سوء العواقب وخسارة الإنسان. فعندما تتكون الرغبة، تكون العزيمة على تحقيقها في الخير بالطرق الشرعية التي تضمن الحقوق والواجبات والسلامة للجميع وللمجتمع، وترضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا مالا يرتضيه الشيطان، لذلك قد ينجح في جعلهما ينقضان على بعضهما البعض، في هجوم كاسح مرير. ليكون الفائز منهما هو الخسران، فيجعلها للشر عنوان، ويفتح عليهما سخط الرحمن، ويوبقهما بما كسبا، جزاءً وفاقاً. ويهمنا الآن أن نتعرف على الطرفان اللذان هما في صراع مع النفس والهوى والشيطان، فعندما تحظى بنظرة أو ﺑﺴﻤﺔ أو كلمة عابرة من فتاة، فهذا بلا شك يغريك ويشدك للوصول إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد تطمح إلى نظرةٌ، فبسمةٌ، فسلامٌ، فكلامٌ، فموعدٌ، فلقاءُ. ثم عندما تعرض عنك تلك الفتاة وتتولى هاربةً منك، تظن أنها تتغلى عليك، وتهرب منك تدللاً وغنجاً، وتحلية بضاعة كما يقولون، في حين أنها قد تكون في صراع نفسي كبير، وشد عصبي وذهني رهيب، فهي تتمنى أن تهجم عليك هجوماً، ولكن هناك شيء يمنعها، تعرف ما هو؟ إنه الإيمان، وتقوى الله رب العالمين، فلم تصر على ما فعلت، وأكتفت باللغو ومرت به مرور الكرام، وكذلك قد يكون من الرجل أن يعرض عن المرأة، فقد يهمل الرد أو التجاوب، بل ربما يلغي الصداقة على صفحات وسائل الاتصال، فتظن المرأة أنه يتجاهلها أو أنه يقلل من شأنها، في حين أنه يكون في شوق ولهفة للتجاوب معها، ولكنه يخاف الله رب العالمين عندما يستحضر عظمة الله تعالى، ويخشى من العواقب السيئة، ويرى أنه بتجاوبه وتماديه في الكلام الغير ضروري، والغير مهم والذي ليس منه هدف ولا فائدة، إنما يتجرأ على محارم الله ،ويعرض نفسه ويعرضها لسخط الله. فعسى أولئك أن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: (وإذا مروا باللغو مروا كراماً)، ومن الذين (لم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً)، فخليكم خفاف وخوافون ولا تميلوا ميلاً عظيماً فتهلكوا، هذه فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، ولا نملك تغييرها وإنما نملك سلوكنا وأخلاقنا التي نتحكم فيها بقدر إيماننا واحتسابنا وقربنا من الله، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي مَنصُورِينَ، لا يَضُرُّهم خُذْلانُ مَن خذلهم، حتى تقومَ الساعةُ".
|