الكلمة ما بين بناء وهدم للشخصية


الأحد 2020-07-19

قد يكون لبعضنا تأثير على غيره بسبب كلمة قالها ولم يلقي  لها بالاً، الكلمات التي تخرج من أفواهنا يومياً قد تبني مستقبلاً أو تكون حافزاً للإنجاز وقد تعمل على بناء ثقة الشخص بنفسه من ناحية إيجابية، أما من الناحية السلبية قد تهدم ثقة أحدهم بنفسه أو قد تدفع الشخص للكراهية سواء كراهية نفسه أو الحال الذي هو عليه مما قد يترتب عليه التفكير بالانتحار كنتيجة لوقع الكلمة السيئة على نفسه لذا قال عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) لأن التفكير السلبي ينجم عنه أضرار كثيرة والكلمة التي لا نفكر كثيراً قبل أن تخرج من أفواهنا  قد تكون سبب لإيذاء مشاعر غيرنا أو قد تدفعنا نحن إلى هلاك قد لا نكون قادرين على تحمله ويدل على ذلك ما سمعه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  (أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها فيزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).

 إن للكلمة أثر على جوانب حياتنا كافة فالكلمات التشجيعية في العمل  تدفعنا للتميز، والثناء والتقدير التي تحصل عليه من مديرك بالعمل أو أستاذك يزرع الشغف داخلك للحصول على المزيد من هذا النجاح ويرفع من رغبتك في الإنجاز ومن جانب آخر الأم التي تدعم أطفالها بكلمات طيبة وصادقة تزرع فيهم الإيجابية والشغف لتحقيق المزيد وتتشكل شخصياتهم على هذا الأساس وعلى النقيض الأم التي تهدم أطفالها  بكلمات انفعاليه ولا تشعرهم بالتقدير أو تحتفل بإنجازاتهم تجعلهم لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم وتدفعهم إلى القيام بجهد أكبر رغبةً في التقدير مما يجعلهم يغرقون في دوامة من الخوف وعدم الثقة بالنفس والفشل لذا فالتنشئة الايجابية للطفل والتشجيع الذي يحصل عليه من أبويه يدفعه للقيام بالمزيد من العمل والإنجاز ومن جهته أشارت الاخصائية النفسية أحلام علي الفريدي إلى أن أسلوب التنشئة الإيجابية يكون بالدعم والتشجيع والاستماع وعدم مقارنتهم بغيرهم وتقبلهم كما هم من غير تغيير لتتكون فيما بعد شخصية هادئة إيجابية مستقرة وقويه قادرة على تحمل أعباء الحياة على خلاف الأسلوب الخاطئ في  التربية التي تتشكل على آثره شخصية مهزوزة غير قادرة على تقدير ذاتها نتيجة التذمر  والعنف اللفظي التي تعرضت له طيلة هذه السنوات  وربما قد توثر في نطقه للكلام أو قوله لكلام يصعب فهمه أو إصابته بمرض التبول الا إرادي أو قد تؤدي الى تأخره في التحصيل الدراسي فالطفل كالإسفنج يمتلئ ويمتص المعلومات التي يراها ويسمعها من أبويه أو من الأشخاص حوله ويبدأ بنشر كل ما تعلمه سواء بالسلب أو الإيجاب ويكون ذلك ظاهراً في شخصيته.  

وتلعب الكلمة دوراً مهماً في الجانب الديني فالدعاة ينتقون كلماتهم للترغيب في الإسلام وأيضاً يتم انتقاء الكلمات في الخطب الدينية للتأثير على المستمعين ونشر الخير والإصلاح بين الخصوم، وللكلام أيضاً دور رئيسي في العلاقات فهي تهدم أو تبني، كما تكشف الكلمات أيضاً طريقة تفكير الإنسان وتساعد على اكتشافه والتعمق فيه.

ومن جانب نفسي قد تكون كلمة سبب في تدمير حياة أحدهم وإحساسه الدائم بالكآبة وعدم الأمان لرؤية أشخاص آخرين لشعوره الدائم بالنقص وعدم الثقة بالنفس مما قد يوثر على علاقاته الاجتماعية ويجعله يرغب في الانطواء والعزلة والابتعاد عن الآخرين وقد أوضحت الاخصائية النفسية أحلام  بأن هذه الكلمة  تظل مسيطرة عليه طيلة حياته فلا بد له من أن يتعايش معها أو يحاول التخلص منها لأنها قد تتسبب  في أصابته  بأمراض نفسية كالاكتئاب أو الوسواس أو الرهاب الاجتماعي وغيره ويختلف عادةً التأثير من شخص إلى آخر فقد تتعمق هذه الكلمة في نفس أحدهم ويحاول آخر تجاهلها أو قد تمر مرور الكرام ولكن تحدث أثر سواء فوري أو بطيء على مدى سنين طويلة ونحن لا نريد أن نكون من الأشخاص اللذين لا تزال  كلماتهم تردد في أذاننا وتؤدي إلى تدمير حياتنا على العكس نريد أن يكون تأثيرنا إيجابياً عليهم بل ويدفعهم لتقديم المزيد كما نريد أن نلبي جميع احتياجاتهم حتى لا يتسبب نقصها في حدوث توتر دائم وتتمثل هذه الاحتياجات في الأمان والحب والطعام والشرب وغيرها.

وعلى الوتيرة نفسها أشارت الأستاذة فاطمة بخاري مدربة ومستشارة في جمعية بناء للإرشاد الأسري إلى أهمية تلبية احتياجات الطفل الأساسية لتجنب تأثير ذلك على سلوكياته ونفسيته وتتمثل هذه الاحتياجات في هرم ماسلو  والذي يتضمن الحاجات الفسيولوجية كالطعام والشرب والهواء وغيره، حاجات الأمان، حاجات الانتماء، حاجات التقدير, وبينت أثر الكلمات السلبية والإيجابية على الطفل فالطفل كاللوحة البيضاء يمكننا أن نرسم له حياة جميلة ومستقبل مشرق أو نحوله إلى شخص منحرف وأداة لهدم الوطن، وتتمثل الكلمات السيئة في الشتم والمقارنة بالغير، التهديد، الدعاء عليهم، عدم تقبل سلوكياتهم،  هذه الكلمات من شأنها التأثير على نفسيتهم بل وتحطيمها، وعلى العكس هناك كلمات من شأنها رفع  الثقة بالنفس وتكوين شخصية قوية ومتزنة مثل تقديم الشكر والثناء، الاحتفال بإنجازاتهم، الشعور بالفخر والاعتزاز بما يقدمون، تنمية الصفات الجيدة لديهم، إعطائهم ما يحتاجون إليه من الحب.

لذلك لا بد علينا التوجه إلى الإيجابية وترك مجالسة الأشخاص السلبيين فهم كما ذكر المستشار الإعلامي والتربوي والنفسي والأسري فراس محسن الحربي أشخاص تجتمع فيهم صفات الحقد والحسد والتشكي والتذمر وعدم أخد كلامهم بعين الاعتبار امتثالاً لقوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) فالإنسان الواعي لا يفكر مجرد تفكير فيما يعتقده الناس عنه حتى لا يكون ذلك عائقاً بينه وبين تحقيق الإنجاز الذي يطمح إليه.

فالكلمات السيئة قد تجعل أحدهم يفقد اهتمامه بما يحب مثلما حصل مع صالح رشيد حيث أن استهزاء أحد أصدقائه باهتمامه برياضة كرة السلة جعله يفقد الرغبة في متابعتها أو معرفة كل ما يتعلق بها، وعن التأثير الطويل المدى أخبرنا منير العصيمي بأن أحدهم وجه له كلمة سيئة تتعلق بقدرته على الإنجاز نجم عنها تحويل أفكاره من الإيجابي إلى السلبي وعدم تقدير الإنجازات التي يقوم بها ووصفها بالضعف مما شكل شخصية مترددة تستغرق وقتاً طويلاً قبل اتخاذ أي قرار يتعلق به.

وعن تأثير الكلمة التي يتم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أفاد مدير وحدة العلاقات العامة بكلية التربية لدى جامعة طيبة طريف مشرف بأنها تتسم بالمبالغة واللاواقعية رغبةً في الحصول على سبق صحفي، أو بسبب عدم الاستناد إلى المصادر الصحيحة مما يوثر سلباً على المتلقي كما حدث لنا اليوم فيما نواجهه مع الجائحة المستجدة كوفيد 19، ومثل على ذلك ما حدث له مع والدته حينما رفضت لمس حقيبة يدها الخاصة رغم احتياجها لها خوفاً من انتقال العدوى إليها كونه قام بالعطس عليها ولكن في اتجاه مغاير للحقيبة واضعاً كوعه على أنفه لذلك لا بد من توخي الحذر فيما يتم تداوله بين أطراف المجتمع.

 فالكلمة قادرة على التأثير فينا وتحويلنا إلى أشخاص عظماء في المجتمع أو إلى أشخاص منعزلين ووحيدين غير قادرين على الإحساس بطعم الإنجاز لذلك يجب علينا ألا نتهاون فيما نقوله للأشخاص من حولنا بل ويجب علينا أن نعيد التفكير أكثر من مرة قبل أن نتفوه بالكلمات لأنه من الممكن أن تؤثر عليهم باقي حياتهم وأن نكون من الأشخاص اللذين يقدمون الدعم والإيجابية والإقدام على الحياة عبر كلماتهم فالكلمة الطيبة شفاء والدليل على ذلك الراحة النفسية التي نجدها عند قراءة كلام المولى عز وجل.