|
|||||||
(حبلُ اللهِ المتينِ بينَ السعوديةِ وفلسطينْ) من الحقائق الكبرى ذات المرامي الهامة، والتي ترتبط بملاحظات بينية معقدة، وتستلزم تحويرها بالبراهين إلى منتج علمي وعملي، والخلوص بسبيلها إلى نتائج يقينية مبرهنة على العلاقة الراسخة بين (السعودية وفلسطين)، فليس من نافلة القول تجلية تلك الرابطة المباركة التي تمظهرت نسبياً وتاريخياً وعقدياً واستراتيجياً وسياسياً، وإن كانت أكبر أن تحيط بها مقالة مختصرة، بيد أن حاجة اليوم والظروف الموضوعية، تلزم بالحفاظ على هذه الصلة المباركة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
١- العلاقة النسبية:
من المعلوم أن أول من سكن فلسطين هم العرب الكنعانيون المهاجرون من الجزيرة العربية، وليس لليهود بها قبل ذلك رسم ولا اسم.
٢- الجذور التاريخية:
لا يختلف دارسو التاريخ القديم والحديث، أن العرب العرباء سبقوا إلى سكنى فلسطين جميع الأجناس الطارئة تاريخياً من الفرس والروم واليهود، وهذا الحق النسبي والتاريخي ينتهي جذوره وعلاقاته بالجزيرة العربية اليوم، والتي تستحوذ السعودية على غالب أراضيها، (فالسعودية وفلسطين) روح واحدة في جسد واحد لا يمكن الفصل بينهما.
٣- البنية العقدية:
من نافلة القول التنوية بمنظومة التشريع الإسلامي المؤصلة بين الجزيرة العربية وفلسطين وهي: منظومة واسعة الجذور لا يستوعبها كتاب واحد، بقدر ما تحتاج إلى موسوعة شاملة، ابتداء بالتقارب في تشريع القبلة بين المسجد الأقصى والكعبة المشرفة منذ العهد المكي وبداية العهد المدني، لتأتي حادثة الإسراء والمعراج تتويجاً لتلك الصلة المباركة، وما تحفل به من معاني العلاقة الربانية الناطقة بتلك المعاني الربانية بجلاء، وما حفل به فتح بيت المقدس، من حضور الفاروق الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب رضي الله عنه) بنفسه إلى بيت للإيذان بفتحه، وما يحمل ذلك من مغزى عميق الحكمة والتأصيل، وإذا أضفنا إلى ذلك تقاسم الجزيرة العربية وفلسطين الرسالات السماوية بينهما، فسوف نقف على محصول التناسب الطردي بينهما، إذ يمثلان القاسم المشترك في مواطن الرسالات السماوية، فالجزيرة العربية حظيت بست رسالات سماوية، وتقابلها فلسطين بالمثل في هذه الخصوصية والتميز، وتعتبر رسالة إبراهيم صلى الله عليه وسلم القاسم المشترك وواسطة العقد بين رسالة موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام والرسالة الخاتمة على محمد صلى الله عليه وسلم.
٤- القوة الناعمة:
مما لا يختلف عليه اثنان من علماء الأديان والدعوة والتاريخ وعلم الاجتماع، أن صناعة القوى الناعمة ليست ضربة لازب، بقدر ما هي سلسلة واسعة ومترابطة من الخبرات والمكاسب المختزلة، والتي تحاول كل جهة بارعة ذات نفوذ في العالم أمتلاكها، وتنفرد السعودية بهذه القوى الناعمة الجبارة التي لا ند ولا مثيل لها في التاريخ، والتي استحوذت على الجمع بين القوى الناعمة الأربع: (المسجد الأقصى، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي والمشاعر المقدسة) والتي تعد حقاً موروثاً سرمدياً أبدياً للجزيرة العربية وشعبها وقيادتها والتي تتمثل اليوم في دولة قوية وأبية وعزيزة هي المملكة العربية السعودية (رغماً عن معاطس الأعداء والخصوم)، أما اليوم فتتفرد السعودية بهذه القوة بدون منافس، ومهمتنا أن ننمي هذه القوة ونعتز بها، ونبث فيها روحاً جديدة، تحملنا إلى آفاق جديدة تليق بما أكرمنا الله به من مقامات ومنازل جليلة.
٥- العلاقة الاقتصاية الجيوسياسية:
لا يختلف اثنان عن العلاقة الوطيدة بين الاقتصاد السياسي والموقع الجغرافي بين فلسطين ومكة على وجه الخصوص، وتطالعنا (سورة قريش) كما في قوله تعالى "لإِيلفِ قريش إِلفهم رحلة الشتاء والصيف" والتي تمتد جغرافيتها من جنوب الجزيرة العربية إلى فلسطين عبر رحلتي (الشتاء والصيف) إذ غالب تجارة قريش تحط رحالها في (غزة) بيعاً وشراءً في فصل الصيف. ومن بركة هذا الحبل المبارك المبين بين (السعودية وفلسطين) امتداد أبعاده المباركة إلى عموم العالم العربي والإسلامي، إذ رسم للمملكة صورة لا تُمحى ومكانة في القلوب والعقول والعواطف والمشاعر التي لا تزول ولا تحول، والتي عززتها المملكة بمؤسسات اقتصادية، ومؤسسات سياسية، ودعوية وفقهية ، وتتخذ من المملكة مقراً لها، والتي ظهرت آثارها القوية مبكراً في هزيمة قوى الفكر الشيوعي والثوري التي اجتاحت العالم العربي في الخمسينات والستينات، كما واجهت المشروع الإيراني (تصدير الثورة) بكفاءة واقتدار مما يدعونا ذلك إلى مزيد من الاستثمار السياسي والاقتصادي والثقافي والدعوي لهذا الحبل المتين الممتد عبر مسارب الزمان والمكان بين المملكة وفلسطين، إذ لازال قادة المملكة -حفظهم الله- يحفظون مكانة فلسطين والقدس الشريف في وجدانهم وسياستهم ومنهج دولتهم، منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وتوارث أبناؤه البررة الملوك هذا الشرف الشامخ مع الاهتمام والإلمام والدعم بكل ألوانه وأشكاله في لبوس الوسطية والاعتدال والحكمة، وليس ثمة شك أن جهات أقليمية ودولية تتقطع حنقاً وغيضاً على هذه المكانة الرفيعة للمملكة وتحاول تعطيلها وسحب البساط من تحتها ، -وبفضل الله تعالى- تبوءَ جميعها بالفشل الذريع، وتبقى المملكة رائدة العالم العربي والإسلامي والذائدة عن قضاياه ومن أهمها (قضية فلسطين والقدس الشريف) ، وقد شاهدنا هذا الاهتمام والإلمام متجدداً من ملوك المملكة دون استثناء وفي جميع الظروف باستمرارية ودون انقطاع منذ قرابة ١٠٠ عام، وتجلى ذلك بوضوح منذ الهجمة الصهيونية على غزة فقد تم عقد ثلاث مؤتمرات في المملكة متزامنة من أجل غزة، وتم تشكيل لجنة وزارية برئاسة سمو وزير الخارجية تجوب العالم لمناصرة غزة، وآخر تصريح لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في خطابه التاريخي لافتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى السعودي، وضع سموه الكريم النقاط على الحروف ببيان شاف وكاف وواضح بالوفاء لفلسطين وتطلعات شعبها، بقيام دولة مستقلة على أرض فلسطين، متحلياً بموقف ثابت لا يتزحزح ولا محيد عنه ولا مساومة عليه.
إذ لا علاقة مع إسرائيل إلا بشرطين هما:
١- الإنسحاب من غزة.
٢- والإعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وهكذا تبين لنا علاقة (السعودية بفلسطين)، في تشريع رباني شرعه الله وباركه من فوق سبع سموات وامتد إلى عموم العالم العربي والإسلامي.
|