|
|||||||
زارني الحنين ذات يوم واتخذ من وجداني موطنًا له، حين سرحت في الأفق البعيد وأنا أداعب بين يدي حبات سبحتي اللؤلؤ، وإذ بي أُحدث نفسي... ماذا لو كانت كل حبة من تلك الحبات تُمثل سنة من عمري؟ أيعقل أن سنين العمر مضت بسرعة تلك الحبات التي بين يدي دون أن أجد نفسي في إحدى تلك السنين! أعدت النظر مُحدقة في الأفق مرة ثانية باحثة عن بقايا ضوء النهار لعله يضيء لي ما تبقى من السنين. أيامٌ انقضت في لمح البصر وسرعان ما تلاشت، وجوه تغيرت وتغير معها الزمن، أم أن الزمن لم يتغير نحن من تغيرنا! عُدت لأبحث عن نفسي لعلي أجدها في تفاصيل الذاكرة التي تهرب منها الذكريات رويدًا رويدًا مع مضي سنين العمر، بحثت في بقايا الأشياء، بقايا المشاعر... وجدتها! ربما في دفتر مدرستي من بقايا الطفولة، في زجاجة عطر فارغة من بقايا الصبا، في خاتم من بقايا الشباب، وحين عشت أمومتي الحقيقية خلف الكواليس بكل تفاصيلها، الصعبة والجميلة، وجدت نفسي بقوة فيها. كنت ومازلت دائمة البحث عن لافتة تخبرني أين أجد نفسي وأنا أحاول النجاة من الضغوط التي كثيرًا ما كانت تتكالب، وأخاف أن تبتلعني في قوقعة أخاف منها، وجدت نفسي كثيرًا وأنا في نهاية العقد الخامس من عمري ولم أسمح لظهري أن ينحني، عُدت من جديد وسقيت أشجار بستاني التي ذبلت، وأعدت بناء سور حديقتي، عُدت لأهيم في ترتيب آمالي، وإعادة ترتيب أوراقي التي ما زالت كثيرًا منها أوراقًا بيضاء تنتظر أن تدب فيها الحياة. وجدت نفسي بعد أن سُرق مني الكثير وأنا أتعلم في هذه الحياة، بين عيون تحلم وقلب يتمنى، مستعينة بلمسات الصبر التي تزيد الأمنيات جمالًا حين تأتي، وما زلت أجد نفسي مع أنوثة مكتوبة على الأوراق، ومسحة جمال في المحيا، وطُهر في القلب يندثر بثوبٍ من العفاف والحشمة. |