مصابيح الفرح


الأربعاء 2023-10-25

في هذه الحياة، تتجسد الفرحة بعدة أمور في المناسبات الاجتماعية، والفطرة الإنسانية مجبولة على الفرح وخاصة عند تلبية الوليمة ورؤية ومشاركة الأقارب والأحباب، ستشرق على قلوبها نورًا وسرورًا.

إن الإنسان لا يشعر بالسعادة بمفرده، بل سعادته تتسع عندما يجد أقاربه واصدقاءه، وقد شاركوه فرحته.

والإسلام عندما يحث عن صلة الرحم فإنه يهدف إلى تأكيد مشاعر الأخوة الإسلامية، وإزالة بعض ما يقع بينهم من تنافر وشقاق.

وبعض الناس للأسف يستكثرون على الآخر الشعور بالفرح أو التعبير عنه أثناء حضوره، وينعكس ذلك على سلوكه، فتجده متأففًا أو حزينًا أو مكتئبًا أو مجبر على الحضور، تعرفهم بسيماهم من أول لقاء، فتجده عبوسًا قمطريرًا، يتطاير الملل من عينيه، مما يؤثر على صاحب المناسبة سلبًا، وعلى الآخرين، وعليه يجب أن تكون المشاركة نابعة من القلب، مع ابتسامة حانيه وسعادة صافية، وليست مجاملات شكلية فقط، لأن إدخال السرور على المسلم، وطلاقة الوجه والبشاشة، تصرف راق، وخلق نبوي، وهو من المعروف والصدقة قال ﷺ: «لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا ، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ»، فلا يقابله بالوجه العبوس، ولا بالكلام السلبي، بل يتودد إليه، ويبادله المحبة واللطف «والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، و«تبسُّمُكَ في وجْهِ أخيكَ لَكَ صدقةٌ».

غير إن المتأمل في حال المجتمع اليوم، يرى أنه يعاني من تطرف في أدبيات المناسبات، أضحت وسيلة للوجاهة والفخر والمباهاة، والتقليد والمكايدة، التي تبحث عنها بعض العائلات بكل لهفة واستماتة. رغبة في إظهار أفراحهم، أنها الأجمل والأشهر والأفضل.

وهذا يؤدي لمناسباتٌ خاوية من السعادة والفرح، تفتقد للراحة والاطمئنان واحترام الضيف، والتي تتمثل في الأغاني ذات الأصوات الصاخبة المتواصلة، والمبالغة في الأهازيج التي يتداولها الناس في الأعراس. وتحت فقاعة المظاهر، ضاعت كثير من الأسر، فلنحذر من التفاخر، والتكلف في مظاهر الفرح.

كما أن الدعم والمساعدات النفسية أو المادية، للأقارب والأهل لها أجر كبير، وهذا واضح في أكثر من حديث نبوي، ومن ذلك ما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ؛ أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ.

 في النهاية لنكن أكثر وعيًا، ولنتحرر من فيروس المباهاة والمفاخرة، الذي أصاب الكثير من مناسباتنا الاجتماعية ولنشارك الأحباب بقلوب محبة تسعد لفرحهم وتبادلهم بهجتهم، حينها يتحقق التوازن والفهم الحقيقي للواقع، وهو الفاصل في جميع أمورنا، والذي يساعد بشكل رئيسي في حل عقدة الانفصام بين المظهر والمخبر؛ لنعيش حياة خالية، من التكلف والتصنع، الذي أفقدنا الكثير من إنسانيتنا وسعادتنا وطبيعتنا.