آلاف الزوار يوميًّا.. وظلال تاريخية يستعيدها محبو قراءة الماضي
يحرص زوار المدينة المنورة بمختلف أجناسهم على زيارة موقع «سيد الشهداء» الذي يُعدُّ من أهم المواقع التاريخية في المدينة المنورة لما له من ظلال تاريخية ومكانة عظيمة في نفوس المسلمين، حيث يضم ثراه أكثر من 70 شهيدًا من شهداء تلك المعركة وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء)، ومصعب بن عمير أول داعية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، وحنظلة بن عامر، وفيهم أيضا عبدالله بن جحش، وشماس بن عثمان، وعقيل أبن أبي أمية -رضى الله عنهم أجمعيـن- كما يضم الموقع جبل الرماة، أو جبل عينين، وهو الجبل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة أن يتمركزوا فيه في غزوة أحد. آلاف الزوار يزور هذا الموقع التاريخي الآلاف من المسلمين يوميًّا، فمنذ الصباح الباكر وبعد طلوع الشمس مباشرة يتوافد للموقع المئات من النساء والرجال والأطفال قادمين من شتى بقاع الأرض، يحملون في أذهانهم صورًا تخيلية عن هذا الموقع وعن كيفية الحدث العظيم الذي وقع فيه يملؤهم الشوق واللهفة لمطابقة ما اكتسبوه من معلومات تعلموها في المدارس، أو كانت محاور قصص استمعوا إليها بما يحمله الموقع الجغرافي من تشكيل، فبمجرد نزولهم من الحافلات يتجدد النشاط بفرحة الوصول فتشرق الوجوه بالابتسامات ويبدأ التنافس الفطري فيمن يقسر هيكل الموقع أولاً ففي أقصى اليسار، وعلى مطلع جبل الرماة عائلة هندية بشغف تستمع لرجلها الأكبر سنًّا يبدأ بشرح الموقع وأقسامه فما أن انتهى من ذلك تولى أحد الشباب من نفس العائلة شرح الأحداث التي أعطت هذا الموقع مكانته، فيشير إلى جبل الرماة مستخدمًا كلتا يديه في التمثيل مصوّرًا للمستمعين مشهد الرامي ليتفاعل معه أطفال العائلة وكبارها.
قصص الرماة وهناك على قمة الجبل أفواج عراقية تتأمل المنظر الجمالي للموقع، وتتبادل المعلومات فيقول أحدهم: نحن نقف على جبل أحد ليصحح له الآخر، لا بل الرماة. وآخرون سوريون يناقشون المسافة بين موقعهم على جبل الرماة، وبين جبل أحد فيقول أحدهم للآخر لم أكن أتوقع بُعد المسافة بين الجبلين، يقصد الرماة وأحد؛< ليرد عليه الآخر نعم، لابد وأن الرماة كانوا أقوياء جسديًّا، ليسوا كحالنا بينما مجموعة أخرى من الزوار اكتفت بالجلوس على القمة واللعب بتراب الجبل، يصاحب ذلك المشهد كله أصوات الكاميرات هنا طفل يصّور، وهناك أب يصور أبناءه، بينما عصبة من النساء تمد لي الكاميرا تطالبني بتصويرهن، فالكل حريص على توثيق المشهد، وتسجيل الحضور.
قبور الشهداء وفي الجانب الآخر من الموقع على نافذة قبور الشهداء رجل كهل غربي الملامح ينظر بعين دامعة إلى القبور يتمتم بالدعوات والأذكار، يليه مجموعة من المعتمرين الإيرانيين يتأملون منظر القبر، فما لبثوا دقائق معدودة إلا وبدأ مرشدهم في التعريف ببعض أسماء الشهداء وأدوارهم في المعركة مستخدمًا الجهاز الصوتي الذي يحمله على كتفه، وبجانبهم نساء أردنيات يحملن في أيديهن الكتيبات الإرشادية، يقرأن جملة ثم يرفعن بصرهن ليطابقن المكتوب بالمنظور، فيما خصصت إحدى العائلات الهندية دقائق من وقفتها في الدعاء لمن تشرفت القبور بضمهم، فيرفع الرجل يده للسماء داعيًا ومن خلفه عائلته تؤمّن على ما يقول. وعلى آخر النافذة من اليمين شبان أفارقة لهجتهم عربية يناقشون القصص البطولية لشهداء الموقع، فيستحضر كل منهم ما يملك من معلومات عن هذا الشهيد وذاك الشهيد بينما يخرج أحدهم هاتفه النقال ليدخل اسم أحد الشهداء في قائمة بحث الإنترنت، فيبلغ الجميع بما ظهر له من معلومات.
صور تذكارية قبل المغادرة ولإتمام الفرحة يحرص الجميع على اقتناء ما يذكرهم بزيارة هذا الموقع العظيم، فيتجه البعض إلى شراء ما يباع في الموقع من سبح، أو سجاجيد، أو غيرها فيما يتجه البعض الآخر إلى جمع الأحجار، وتراب الجبل، ليسيروا إلى مركباتهم بهدف المغادرة، ملامحهم يغزوها الفخر بالحدث والمشاهدة، فرحين بأن كتب لهم الحضور والوقوف على هذا الأثر، فبعد كل بضع خطوات يلتفتون لاستراق آخر نظرة، ولسان حالهم يقول: هل سيكتب لي العودة؟
|