|
|||||||
فاطمة عبد الجواد
إذا لم تكن في المركز الأول في مجالك فاصنع مجالًا تكن أنت فيه الأول وإذا رضيت بالثاني جعلت الأول يتحكم في مصيرك، تلك المقولة التي سارت على نهجها المبدعة والمدربة المتألقة كنجمٍ ساطع في السماء يشار إليه دائمًا بالبنان يعجب بإصراره على التوهج كل من ينظر إليه ويعرف قصته. نعم إنها الهاوية الفلكية التي تملكها عشق الفلك وأصبح رأسها دائما متوجهًا نحو السماء وعيناها تنظر إلى النجوم الجميلة والشهب الساطعة التي تجري بلمح البصر؛ كي ترصد الأجرام السماوية في شكلها الخلاب وتراقب جمال النجوم ومنظر القمر البديع ولحظات الهدوء في ظلمة الليل والشهب المتطايرة والأجرام السماوية بجمالها الأخّاذ بين لحظات السكينة والارتياح ووجود الشغف, فهي دائما على موعد غرامي كل ليلة مع القمر الساحر والنجوم البهيّة تتأملهم من منظارها المتواضع لكي تراهم وهم يتلألأ منهم وميضٌ ساحر يبهر كل من يراه فيقع في حبه ولا يستطيع الخلاص, فكذلك رباب لم تستطع ان ترى نفسها في أي مجال آخر من مجالات الحياة تحدت الصعوبات وواجهت المخاطر درست، وتعلمت، تثقفت ونالت شرف التجربة والمحاولة رغم وجود آراء معاكسة ضد توجهاتها وشغفها تدفعها الى التوقف والركون إلى الانهزام والتخلي عن الأحلام كان ذلك جزء بسيط من واقع قصتها وسنستكمل الباقي لمعرفة المزيد من جوانب حياتها في مقابلتنا مع الأستاذة رباب. - من هي الهاوية الفلكية رباب ؟ أنا رباب حسن معتوق القديحي من مواليد الدمام مدربة وهاوية فلكية خريجة بكالوريوس جغرافيا من جامعة الملك سعود وأول مدربة عربية تنشر ثقافة علم الفلك في الوطن العربي و مدربة معتمدة لدى العديد من المؤسسات العامة للتدريب المهني والاحترافي، وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك التابع لجامعة الدول العربية، حصلتُ على جائزة الشباب العربي للتنمية المتكاملة التابعة لمجلس الشباب العربي المتميز بجامعة الدول العربية في مجال الثقافة الفلكية.
- ما هي قصة رباب مع الفلك ؟ الفلك كان هواية لدي, وسابقا لم يكن هناك أي مجال مختص بدراسة الفلك بين تخصصات الجامعة, وكان علي أن اجعله موجودًا بنفسي فشعاري في الحياة إذا لم تكن الأول في مجالك فاصنع مجالًا تكن فيه الأول وإذا رضيت بالثاني جعلت الأول يتحكم في مصيرك وضعت هذا الشعار نصب عيني ودفعني حبي للفلك لممارسة هوايتي برغم كونه ليس موجودًا وغريبًا على مجتمعي, فهي أمنية فلكية كبيرة. البعض من الناس يختلط عليه التفرقة بين الفلك والتنجيم فتبتعد عنه وتترك التأمل في السماء بالرغم من أننا نتجمع لمشاهد الظواهر الطبيعية الفلكية التي تحدث كالخسوف ونستمتع بالنظر إلى السماء وتأملها. - ما هو هدف رباب من تعلم الفلك؟ هدفي هو محو الأمية الفلكية وتدربت في جمعية الفلك بالقطيف ولقبوني ببنت الفلكين العرب وقام بدعمي مجموعة كبيرة من الدكاترة وأعضاء هيئة التدريس المختصين بعلم الفلك وقالوا لي: اخرجي ثقفي المجتمع فهم في حاجة إليكِ ولذلك التحقت بعدد كبير من الدورات وكنت أعيد دراسة الدورة الواحدة أكثر من ٤ مرات لكي أتأكد من تمكني فيها و من هذا حصلت على لقب أول مدربة سعودية هاوية في مجال الفلك وأيضا كنت على تواصل دائم مع علماء الفلك ومن الجميل ان الفلكيين دائم على تواصل فلا فرق ببن هاوٍ ومتخصص فالمتخصص يرشد الهاوي ،والهاوي هو عين المتخصص . وكنت احصل على الاستشارات من خلال متخصصي الفلك عندما احضر المؤتمرات وكنت استفيد منهم وكانوا يشجعونني على التدريب في الفلك قد لا أكون معروفة بشكل كبير هنا في السعودية ولكن ستجدون أن اسمي معروف في دول الخليج والدول العربية وكنت أحيانا أتلقى دعوات من دول الخليج لتدريب النساء في علم الفلك.
- كيف بدأت رباب مشوارها واكتشفت حبها للفضاء والفلك ؟ ولد حبي للفضاء معي منذ الصغر من الطفولة كنت دائما أراقب السماء وأتأمل القمر وأتعمق فيه, كان يهيأ لي أني عندما ادقق النظر أرى الحفر والبقع فيه وإنا دائما راسي مرفوع أحب تأمل النجوم بمعنى انه يوجد لدي شغف وزاد أكثر عند كثرة المتحدين لأنه لا مشكله لدي في أن ينافسني احد ولكن لا يتحداني لان الذي يتحداني سيرى إنسانة شرسة جدا .
- من خلال الاهل ومن هم حولك هل أثارت رباب استغراب او رفض من هم حولها بخصوص شغفها في هذا المجال الفريد والجديد ؟ نعم يوجد من هم كذلك فهم من أقربائي وأصدقائي ولكن على النقيض أهلي في منزلنا يفتخرون بما وصلت إليه وما أحاول وأسعى أن أصل إليه أيضا. أما الأشخاص المحيطين بنا هم من المحبطين والذين دائما يوجهون إلي رسائل من خلال أحاديثهم حول ما فائدة الفلك وكيف يمكن أن يخدمك في حياتك ..صحيح أني أثناء دراستي الجامعية كنت تخصص إدارة الأعمال ثم حولت إلى جغرافيا كي أصل إلى شغفي وهو الفلك مع العلم أني حصلت على وظائف عدة لم أوفق فيها وأنا مستعدة أن أستقيل من كل الوظائف وان أظل إنسانه عزباء طيلة حياتي في مقابل أن لا يبعدني احد عن الفلك . في دراستي كان طموحي الأول أن أكون مهندسة معمارية ولكن لعدم توفر التخصص توجهت إلى الجغرافيا وفي هذه السنة تقدمت لوظيفة وكانت من أسوأ الوظائف وفصلت منها وبعد يومين من انفصالي أتتني وظيفة أخرى وهي تعاقد مع البلدية وبالتحديد بلدية القطيف بقسم المشاريع والآن هم ينادوني يا (باش مهندسة) ..سبحان الله أحلامي بدأت تتحقق وهذا ما اطمح له .
- كوننا في مجتمع محافظ يقتصر لديه الفلك على الرجال بالإضافة إلى ندرة تخصص الفلك للنساء وبحد ذاته تطمح رباب للعمل به ،ماهي الصعوبات التي واجهتها؟ قديماً كانت هناك صعوبات عند رغبتي في حضور دورات لم تكن في المنطقة التي أقطن فيها أنا وعائلتي فلم تكن هناك مواصلات استطيع الذهاب فالمسافة بعيدة بين الدمام والخبر فلم أكن أجد من يوصلني إلى هناك في أي وقت بالإضافة إلى أنه في بعض الأوقات كنت احتاج الخروج إلى أماكن بعيدة عن المدن كي استطيع أن ارصد القمر فالرصد يحتاج إلى ظلام وساعات متأخرة من الليل إلى الفجر وكل هذا بالتحديد في البر وكوني فتاة لوحدي سيكون صعب جدًا بحكم العادات, صحيح كان والدايّ أحيانا يصطحباني معهم إلى هناك ولكن هذا سابقًا الآن تقل الصعوبات مع وجود القرارات الجديدة التي تسمح بقيادة المرأة وتوجه المرأة إلى مجالات الفلك. أيضا من الصعوبات التي أواجهها عندما أقدم دورات في الفلك يعتبرون ما أقدمه عبارة عن أبراج وتنجيم وأرى نظرات الاستغراب والاستحقار على وجوه الحاضرين لأنه ليس لديهم خلفية عن ماهية الفلك، هم دائمًا يعتقدون أنني منجمة وهذا بحكم جهل المجتمع الشديد في هذا المجال فهناك صعوبات عندما أريد تقديم دورات في مجال الفلك أواجه الرفض البات ولكن في آخر مرة تقدمت بطلبي وأعطيتهم الأدلة والبراهين الكافية جعلوني اخضع لإقامة دورة تجريبية ثم تمت الموافقة بعد إثبات كفاءتي في المجال ولكن بعد صعوبات عديدة ثم بدأت في تقديم الدورات المعتمدة. - في محيط الأسرة من هو مصدر قوة رباب والذي أعطاها الحافز بعد الله في أن تكمل شغفها في هذا المجال ؟ أمي وأبي هم الداعم الرئيسي والواقفين بظهري لأنه لو كان والداي من المعارضين لما استطعت الوصول لما أنا عليه اليوم فأبي كان يحضر معي المؤتمرات فبات يعرف بعض من الفلكيين وأصبحوا أصدقاؤه. وكان يدعمني ماديًا لان الفلك عمل تطوعي وكان يتحمل ظروف التأخير عن عمله بالأيام في مقابل أن احضر مؤتمر خارج السعودية أما أمي فقد كان حلمها منذ الصغر أن تصبح فلكية فكانت دائمًا ما تصعد إلى سطح منزلنا وتعد النجوم وتحب السماء والجو الممتع الهادئ ولكنها لم تستطع إكمال دراستها ولله الحمد أنا حققت أمنيتها في هذا المجال كنت الحلم بالنسبة لها وقد تحقق واليوم عندما أريد الذهاب للرصد في البر تقول أمي:" اصطحبيني معكِ ". والدايَ يمتلكون مرونة عالية في اتخاذ القرارات ومتواكبين مع العصر في ظل الحفاظ على تعاليم الدين الحنيف . - ما الذي دفع رباب لاستكمال مسيرتها في مجال علم الفلك رغم أنها واجهت شريحة كبيرة من أسرتها والمجتمع كانوا يرفضون هذا المجال ويحبطوا من عزيمتها؟ بالرغم من جميع الذين كانوا يعرفونني يقولون ما الذي دفعك لاختيار هذا الجانب الغريب والجديد على مجتمعنا شعرت بمسؤولية كبيرة تجاه ذلك لكي اثبت للجميع أنني سأنجح في هذا المجال رغمًا عن الجميع والآن عندما يسمعون اسمي ويعرفوا ما وصلت إليه كان بمثابة الصفعة على وجوههم لأنهم لم يتوقعوا نجاحي وكانوا مثبطين لي دائمًا.
- ما هي أكثر ظاهرة غريبة واجهتها رباب في عملها ؟ لا توجد هناك ظواهر غريبة نستطيع قول أنها جميعها ظواهر طبيعية ولكن لان المجتمع لا يعرف كثيرًا عن هذه الظواهر يظنها ظواهر غريبة ، أحب التعرف على هذه الظواهر بنفسي لكي يكون لدي علم بالشهور وبتغيير تقويم أم القرى واعلم ما السبب وعندما يقال غدًا متتم لشهر رمضان لا أريد أن اعرف انه متتم أم لا إنما أريد أن اعرف كباقي الفلكيين لماذا هو متتم في هذا الوقت بعينه ؟.
- ما هي المهارات التي اكتسبتها رباب من دراسة علم الفلك ؟ سابقًا كنت شخصية انفعالية عصبية ومتسرعة ومنفعلة الآن الفلك أجبرني على طول البال والهدوء والصبر سابقًا كان الأطفال يخافون مني ويخشون الحديث معي ولكن حاليًا جميع الأطفال يحبونني وأصبحوا ينادوني حبيبة الأطفال وأخبر الجميع ارفعوا رؤوسكم إلى السماء هناك مناظر تستحق التأمل في عظيم خلق الله .
-كلمة توجهها رباب للشباب والشابات ؟ أوجه نصيحتي إلى الشباب الناشئ الجديد وأقول لهم اهتموا بالفلك حتى وإن لم تتاح لكم فرصة التخصص في هذا المجال إنه يستحق الدراسة والتأمل . إن الطموح مطلوب طالما أن الإنسان لم يتسلق فيه على متاعب الآخرين وليعلم كل فردٍ منا أن ثمرة العمل الناضجة لا تأتي إلا بعد جهد كبير
وفي ختام لقاءنا نتوجه بالشكر والامتنان للأستاذة الفاضلة رباب القديحي لإتاحة جزء من وقتها الثمين لتعرفنا على قصتها وتذكرنا بالتمسك بطموحاتنا وآمالنا وأمنياتنا. هذا ما قامت به رباب القديحي أول مدربة عربية سعودية فلكية تابعت مشوارها حتى وصلت لمحطتها ، وأنتم هل حققتم طموحاتكم؟!.ا |