|
|||||||
تأمّل في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}. لا تزال الآيات تذكرنا بآلاء الله، ومنها أنه سبحانه يُرسل الرياح، {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}، البشرى: هي الخبر المفرح، والنبأ السارّ، الذي يحمله البشير إلى الآخرين، والرياح تحمل البشرى برحمة الله -عز وجل-، ورحمته وسعت كل شيء، وهي هنا بمعنى البشرى للناس بالماء الطهور، والطهور هو ما كان للعادة والعبادة، أما الطاهر فهو ما كان للعادة فقط، ولا يُجزئ استعماله في التطهر للعبادة، حيث ينزل من السماء، فتحيا به الأرض بعد موتها، وينبت به الزرع من كل الثمرات متاعًا لكم ولأنعامكم، {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}، ويُسقى بذلك الماء الطهور ما خلق الله من الأنعام: أي البقر، والغنم، والماعز، والإبل، وغيرها، من الحيوانات التي خلقها مسخرة ليتمكن الإنسان من الاستفادة منها، وفي كل صنف نعم تختلف عن الأخرى، وقد سميت بعض سور القرآن بأسماء بعضها. إذًا فنعمة الزرع والأنعام، من أعظم النعم، وكلاهما يحيى و يعيش بالماء، كما أن الناس أنفسهم لا يعيشون بدون الماء، {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}، ولقد صرف الله الماء الطهور بين الناس، فمنهم من يسقي بالأنهار، ومنهم من يسقي من الآبار، وجعله موزعًا بينهم في جميع أنحاء الأرض، وفي متناول أيديهم {لِيَذَّكَّرُوا}، ولكن أكثر الناس يكفرون بنعمة ربّهم، ولا يذكرون آلاء الله التي لا ينكرها إلا جاحد مكابر قد عميت بصيرته، {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ}. |