|
|||||||
تأمّلات في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي!
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلعَلَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ (193) عَلَى قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ (195) عودة على ذي بدء، فكما بدأ سبحانه وتعالى - السورة بالثناء على آيات القرآن الكريم، بقوله: (تِلكَ ءَايٰتُ ٱلكِتَبِ ٱلمُبِينِ )، يختمها بالتأكيد على أنها نزلت من ربّ العالمين، وأن الذي نزل بها هو الروح الأمين، جبريل عليه السلام - الذي من أوصافه أنه، (ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)، قوي ومقرب عند الله - وله مكانة رفيعة ومنزلة وخصيصة اختصه بها، ومعنى نزول القرآن على قلب النبي عليه الصلاة السلام : أي اتصاله بقوة إدراك النبي لإلقاء الوحي الإلهي للكلام الموحى بألفاظه، وخص ذكر القلب: للإشارة إلى كمال تعقل الرسول وفهمه، حيث لا توجد واسطة في وصوله إليه، كما أن بها دلالة على صلاح قلب الرسول حيث كان منزلا لكلام الله - (بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ )، لأن لغة العرب أفصح اللغات وأوسعها في المعاني الدقيقة مع الاختصار، وفيها من أسالب نظم الكلام والإعراب، والحقيقة والمجاز والكناية، والترادف والمحسنات، ما يلج بالمعاني إلى العقول بسهولة، واختصها سبحانه- لتكون لغة كتابه الذي خاطب به الناس، فأنزله بلسان عربي، وحمل العرب مهمة تبليغه لسائر الأجناس. وقد بيّنت لنا الآيات مصدر القرآن، والنازل به، والنازل عليه، وكيفية النزول، وحكمة الإنزال، واللغة التي نزل بها، وذلك دليل من القرآن على ذات القرآن، بأنه منزل من عند الله تعالى - وأنه من كلامه الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، (وَإِنَّهُ لَكِتَـبٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأۡتِيهِ ٱلبَـطِلُ مِنۢ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِۦۖ تَنزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ حَمِيدٍ )، قال عليه الصلاة والسلام:(تركتُ فيكم شيئَينِ، لن تضِلوا بعدهما: كتابَ اللهِ، وسُنَّتي، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ)، كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ نَبيِّه، مَحفوظانِ باقيةٌ حُجَّتُهما على الأُمَّةِ، وهما الأصلانِ اللَّذانِ لا عُدولَ عنهما، ولا هدْيَ إلَّا منهما، والعِصمةُ والنَّجاةُ لمَن تمسَّكَ بهما، واعتصَمَ بحَبْلِهما! |