{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}.

كعادة القرآن الكريم عندما يذكر أمرًا ما، أو شيئًا من الأشياء، فإنه يذكر ما هو خلاف ذلك، كالجنة والنار، والمتقين والفجار، والليل والنهار، والمؤمنين والكافرين، بالترغيب والترهيب، فبعد أن أشارت الآيات السابقة بأن آيات القرآن، الذي هو كتاب الله تعالى المبين، هي هدى وبشرى للمؤمنين، الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم بالآخرة هم يوقنون، جاءت هذه الآيات بذكر الذين على نقيض ذلك الوصف، وهم الذين لا يؤمنون بالآخرة، أي يوم القيامة، يوم يبعث الله العباد للحساب، وبيّنت شيئًا خطيرًا جدًا من سنن الله تعالى في خلقه، حريّ بكل إنسان أن يتنبه إليه، ويحذر منه كل الحذر، وهو أن الله تعالى يُزيّن للذين لا يؤمنون بالآخرة عملهم السيئ فيرونه حسنًا، {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ}، والتزيين، بمعنى التحسين والتجميل، {فَهُمْ يَعْمَهُونَ}، أي يتحيرون بسبب عمى البصيرة، والمعنى: أن الذين لا يؤمنون بالدار الآخرة وما فيه من ثواب وعقاب، حسَّنَّا لهم أعمالهم السيئة وحببناها إليهم، بسبب استحبابهم العمى على الهدى، والغي على الرشد، فهم يتحيرون ويتخبطون ويرتكبون ما يرتكبون من قبائح، ظنا منهم أنها محاسن، وتعالى الله إذ يقول: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ}، وليس هذا فحسب، بل توعدهم سبحانه بسوء العذاب في الدنيا، {وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}، وقد أشارت الآية إلى معنى دقيق جدًا وهو أن تفاوت الناس في قبول الخير كائن بمقدار رسوخ ضد الخير في نفوسهم وتعلقهم به، وذلك من جراء ما قد يطرأ على سلامة الفطرة التي فطر الله الناس عليها من التدني في الفساد، كما أشار إليه قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}.