|
|||||||
تأمّل في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَىٰ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. بعد أن أهلك الله تعالى القرون الأولى من المكذبين، كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم، ودمّر ما كان يصنع فرعون وقومه، وما كانوا يعرشون، ونجّى رسوله موسى عليه الصلاة والسلام وقومه "بني إسرائيل" الذين كانوا يُستضعفون، وجعلهم الوارثين للأرض من بعدهم، وبما أن نظام العالم، وإصلاح أحوال الأمم، يستدعيان تشريعًا سماويًا جديدًا خلفًا للشرائع السماوية التي اندثرت، لذلك أنزل الله على موسى التوراة، {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، ليبصروا بها الحق، ويهتدوا إلى الصراط المستقيم، فيسلكوا بها سُبل الهداية والرشاد، ويجتنبوا طرق الغواية والفساد، رحمة من ربّهم، ولعلهم يتذكرون بما فيها من الأحكام الإلهية والحكم الربانية، ويشكرون نعمة ربّهم، ويقيمون شرعه، ويعبدونه حق عبادته، وفي الآية الإشعار بأن التوراة نزلت بعد الحاجة إليها، تمهيدًا لما يعقبها من الآيات في بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم أُنزل ليكون هدى ونورًا للناس، {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، كما اُنزلت "التوراة" من قبل، فيها هدى ونور، {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. |