الآيات (33-35) من سورة القصص، اللقاء (16)


الأربعاء 2024-10-09

تأمّل في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي

{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}.

لقد كان موسى ينوي الدخول إلى مصر متخفيًا، وبعد أن شرفه الله بالرسالة، صار لزامًا عليه أن يدخلها علنًا، فكيف له ذلك؟ والملأ يأتمرون به ليقتلوه، فأراد أن يكون في أمن من أعدائه، فطلب من ربّه عز وجل أن يرسل معه أخاه هارون، لأنه أفصح منه لسانًا، ورِدْءًا: أي معينًا له، وليشهد له على صدقه، خوفًا من أن يكذبوه، وهنا لنا وقفات: منها أن الداعي إلى الهدى والخير والصلاح، وإلى سبيل ربّه ليس بالضرورة أن يكون فصيح اللسان، كما أنه لا مانع من أن يستعين بمن هو أفصح منه ليعينه على أمره، وفيها بيان مكانة الأخ، فموسى نبي ورسول من ربّ العالمين، مؤيد بالمعجزات والنصر، ومع ذلك طلب إرسال أخيه هارون معه، وذلك يُظهر دور الإخوة في المعونة على أمور الحياة، وفيها كذلك صورة من صور البر بالأخ، وقد كان موسى من أبر الناس بأخيه هارون، عليهما الصلاة والسلام، إذ طلب له الرسالة من ربّ العالمين، وذلك لسلامة صدره من الحسد، وهو ما ينبغي للمؤمن أن يتحلى به، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، ولقد استجاب الله لطلب موسى فأرسل معه أخاه ليشد عضده، وجعل لهما سلطانًا: أي تسلطًا بالحجة، والهيبة الإلهية ضد عدوهما، ووعدهم ومن تبعهم بالنصر والتأييد.