الآيات (01-09) سورة الهُمزة، اللقاء، (01)


الأربعاء 2024-09-04

تأمّل في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي

{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}.

توعّد الله عز وجل كلّ هماز لماز، بالويل: وهو كناية عن شدّة العذاب، والهمَّاز اللَّمَّاز: الذي يهمز الناسَ ويتهكم بهم، ويلمزهم ويستهزئ بهم: تارةً بالكلام، وتارةً بالإشارة، وتارةً في حضرتهم وتارةً في غيبتهم، ولعل أشد ما يدفع أولئك الأشرار إلى هذا الخلق الذميم هو كثرة أموالهم وبطرهم، وظنهم السيء بأن أموالهم سوف تدفع عنهم قضاء الله تعالى وقدره، وأنهم سيبقون عمرًا طويلًا وأجلًا مديدًا دون أن يصيبهم نقص أو عيب أو مصائب، كما قد يصيب غيرهم، قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ رَأى مُبْتَلًى فقال: الحمدُ لِلهِ الذي عافاني مِمّا ابتلاكَ بِهِ، وفَضَّلَني عَلى كثيرٍ مِمَّنْ خلقَ تفضيلًا، لم يُصِبْهُ ذلكَ البلاءُ)، وجاء في الأثر : "لا تُظهِرِ الشَّماتةَ لأخيكَ فيُعافيهُ اللهُ ويبتليكَ" وذلك من العذاب العاجل له في الدنيا، أما في الآخرة فسوف يُلقى به في الحطمة، وسميت بالحُطَمة لأنها تحطم ما يلقى فيها، وقد عظّمها بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ}، ثم فسّرها بأنها: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}، أي تأكل جميع ما في أجسادهم، حتى إذا بلغت إلى الفؤاد، خلقوا خلقًا جديدًا، فرجعت تأكلهم، وهي مغلقة عليهم بأعمدة قد سُدّت بها الأبواب، وأعمدة من اللهب، وأعمدة موثوقون فيها.

وقد خُصت الأفئدة بالذكر، لأنها موضع العقيدة، إما بالإيمان أو بالنفاق والكفر، فمن فسد قلبه، فسدت عقيدته، وفسد لسانه، وفسد سائر جسده، قال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ)، فالهمز واللمز ما يكون إلا من شخص مريض القلب، أفسدت قلبه المعاصي، ورانت عليه ظلمة الذنوب.

تمت السورة، ولله الحمد والمنّة، وبه التوفيق والعصمة.