الآيات (16-21) سورة الانشقاق، اللقاء (05)


الثلاثاء 2024-06-11

تأمّل في مغْزى الآيات، بمنظور اجتماعي

{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ * فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ۩}.

يقسم الله تعالى بثلاث آيات كونية عظيمة، ذات أهمية بالغة في مجريات الحياة، وتدل على عظمة الخالق جلّ وعلا وقدرته البالغة الدقة والإتقان في آياته الكونية، فأقسم سبحانه بالشفق: أي بياض الفجر، والحُمْرة، التي تظهر في أُفق السماء قبل طلوع الشمس، وبعد غروبها، وبالليل وما يضم تحت جناحه من مخلوقات وعجائب لا يعلمها إلا الله تعالى تأوي إلى أوكارها ومساكنها، وبالقمر إذا ما اجتمع نوره، واكتمل ضياؤه وصار بدرًا متلألئًا، وهذه الأشياء تتغير من حال إلى حال، ومن هيئة إلى هيئة، وهو ما يناسب المقسم عليه، وهو تبدل وتغير أحوال الناس في أيام حياتهم في الدنيا من حال إلى حال، {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍأي: أطوارًا متعددة وأحوالًا متباينة، من النطفة إلى العلقة، إلى المضغة، إلى نفخ الروح، ثم يكون وليدًا وطفلًا، ثم مميِّزًا، ثم يجري عليه قلم التكليف، والأمر والنهي، وتغير الأحوال من الشدة إلى السعة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضعف إلى القوة، وغيرها من الأحوال المتقلبة، ثم يموت، ثم يبعث ويجازى بأعماله، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد، دالة على أن الله وحده هو المعبود، الواحد، المدبر لعباده بحكمته ورحمته، وأن العبد فقير عاجز، وتحت تدبيره، ولا ينجيه من كل ذلك إلا الإيمان والتمسك بحبل الله المتين، {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَأي: ماذا يمنع الناس من الإيمان بالله بعد ما تبيّن لهم الرشد من الغي، {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَوما الذي يمنعهم من الخضوع للقرآن الكريم؟ الذي أنزلناه لإِخراجهم من الظلمات إلى النور، ويعظمونه وينقادون لأوامره ونواهيه، {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أي تجعلون شكركم للنعم هو التكذيب، لأنهم بتكذيبهم وجحودهم، يبقون على منافعهم الباطلة، وضلالاتهم وفسقهم، {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.