رمضان فرصة للتغير نحو الأحسن


الخميس 2025-03-13

خالد الشيخ

حل علينا شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وهو أيضا فرصة عظيمة للتجارة مع الله عز وجل، بالتزود بالطاعات والاستكثار منها والبعد عن المعاصي وتركها.

 وفي الوقت ذاته هو فرصة عظيمة للتغير نحو الأحسن، في التعامل مع الله عز وجل أو في التعامل مع الخلق، فبداية هذا التغير، في العلاقة مع الله عز وجل، والعبد إذا  صلحت حاله في علاقته مع الله عز وجل صلح حاله ولابد، وهذه العلاقة عند من تأمل النصوص الواردة في فضل الصيام يجد أنها متغيرة إلى الأحسن بفعل الحال التي يكون عليها العبد الصائم في هذا الشهر المبارك من صيام، وقيام، وصدقة، وعمل للخير وإحسان إلى الآخرين، كما أن النصوص المتعلقة بفضائل رمضان نجد أن فيها بيان أن حال الصائم في مرتبة عالية من العبودية، فقد قال الله تعالى كما في الحديث القدسي:" كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي"، فالمعنى أن الصيام له سبحانه من جهة ظهور الإخلاص فيه وتمحضه له، ومن هنا فإنك لا تجد مسلما مثلا يصوم لأجل الناس، فيترك الأكل والشرب إذا كان بحضرة الآخرين ثم يفعلهما إذا خلا بنفسه، وإنما يفعل ذلك كله في خلوته وجلوته معا؛ مما يدل على أنه يترك ذلك لله عز وجل. 

ويظهر هذا التغير أيضا من جهة أن المسلم يجمع بين أنواع من العبادات في هذا الشهر وهو محتسب للأجر، يرجوا ما عند الله ويرغب في ثوابه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد حثه على الاحتساب في فعل الكثير من هذه الطاعات؛ ليعظم أجره، فقال عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال أيضا:" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، والإيمان والاحتساب كلاهما عمل قلبي قبل أن يكون عملا بالجوارح، مما يبين أن كثيرا من الأعمال الصالحة في رمضان، مدارها على عمل القلوب والرغبة في الأجر والثواب من علام الغيوب.

وأما الجانب الثاني من جوانب التغيير، فهو التغير في الجانب الأخلاقي والسلوكي، فالمسلم في هذا الشهر يتربى على حبس نفسه ومنعها من كثير من التصرفات التي فيها كذب أو خداع أو إساءة للآخرين صيانة لصيامه، وامتثالا لقوله عليه الصلاة والسلام:" " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فقول الزور هنا: يشمل المعاصي القولية، والعمل به: يشمل المعاصي الفعلية، وجاء في الحديث الآخر أيضا قوله عليه الصلاة والسلام :" إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم"، فهذه دعوة صريحة إلى الابتعاد عن الرد على الآخرين في حال إساءتهم لأن عبادة الصيام تحمل المسلم على التحكم في تصرفاته وتذكير الآخرين بأنه صائم، والصوم من شأنه أن يمنع صاحبه من التمادي في مضاربة الآخرين أو رد الإساءة الصادرة منهم.

فإذا كان رمضان بهذه المثابة من إحداث التغيير في النفوس والارتقاء بها إلى الأحسن، سواء في التعامل مع الله عز وجل أوفي التعامل مع الخلق، فإن الإنسان مطالب بمحاسبة نفسه، ومراجعة حاله فإن رأى أن حاله تغيرت إلى الأحسن فليحرص على الازدياد من هذا الخير والتغير الإيجابي، وإن رأى أنه لم تتغير حاله، فهو كحاله قبل رمضان، فليراجع عمله فإن صيامه لم يحقق المقصد الذي من أجله شرع، فيلجأ إلى الله تعالى ويسأله التوفيق للأحسن في ما بقي من أيام هذا الشهر، إنه سبحانه جواد كريم.