عدو النجاح الصامت: التسويف


الأربعاء 2025-02-05

كم مرة وجدتَ نفسك تؤجّل مهمةً تعلم أنها بوابة حلمك؟ كم مرة قلتَ: غدًا سأبدأ، لكن الغد كان كاذبًا ولم يأتِ؟ هل حقًا يكمن سر النجاح في الانتظار، أم أن الانتصار يبدأ فقط عندما نقرر أن نتوقف عن الانتظار ونبدأ في التحرك؟

في زوايا الروح، حيث تتلاقى الأحلام والطموحات، يقبع التسويف كوحش صامت يسرق منا لحظات العمر كما يسرق الليل نجومه، إنه ليس مجرد تأجيل بريء، بل شبكة عنكبوتية ناعمة تخفي وراءها قيدًا يعطل انطلاقنا نحو الإنجاز. فهل حان الوقت لتمزيق هذا القيد والانطلاق بحرية؟

التسويف ليس مجرد عادة سيئة، بل هو مرض يتسلل إلى عقولنا دون استئذان. في كل مرة نؤجّل فيها عملًا أو هدفًا، نعطي للتردّد مساحة أكبر ليحكمنا. نخدع أنفسنا بأن هناك وقتًا لاحقًا أفضل للعمل، وننسى أن الوقت لا ينتظر أحدًا.

لكن لماذا نؤجّل؟ لأننا نخاف؛ نخاف من الفشل الذي قد يأتي مع المحاولة، وأحيانًا نخاف من النجاح ذاته وما يتطلبه من مسؤوليات. يصبح التسويف مهربًا مريحًا من مواجهة هذه المخاوف، لكنه في الحقيقة قيد يسرق طاقتنا وأحلامنا في هدوء قاتل.

القرآن الكريم يذكرنا في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} فالسعي هو السر، وهو بداية الطريق إلى كل إنجاز. لا تنتظر اللحظة المثالية، بل اصنعها بنفسك. اللحظة المثالية هي تلك التي تقرر فيها أن تبدأ، مهما كانت الظروف. والتحرر من فكرة الكمال هو الخطوة الأولى نحو النجاح؛ لا تبدأ بهدف أن تكون مثاليًا، بل ابدأ بأي خطوة صغيرة. كما قال ابن القيم رحمه الله: "مَنْ عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ فَلْيَفْعَلْهُ، فَإِن لَمْ يَفْعَلْهُ خَسِرَ نَفْسَهُ."، طبق قاعدة الخمس ثواني التي ابتكرتها ميل روبنز، عندما تشعر بأنك على وشك تأجيل مهمة، ابدأ العد التنازلي من 5 إلى 1 ثم تحرك فورًا. هذه الطريقة تربك عقلك وتدفعك إلى العمل قبل أن يتسرب إليك التسويف، مع عقد العزم والتوكل على الله.

وأخيرًا: لا تحاول تنفيذ العمل دفعة واحدة، قسمه إلى أجزاء صغيرة يسهل التعامل معها، وستجد نفسك تتقدم بثبات.

وفي نهاية المطاف، يتضح أن النجاح ليس مسألة معقدة، بل هو قرار بسيط، لحظة حاسمة ندرك فيها أننا نستطيع أن نصنع فرقًا. ليس الكمال هو ما يهم، بل الاستمرار. كل خطوة مهما كانت صغيرة هي حجر بناء في مسار طويل نحو التغيير...

اليوم هو فرصتك الوحيدة، لا تنتظر الغد الذي قد لا يأتي أبدًا، الآن هو وقتك، فكل لحظة في حياتنا هي هدية ثمينة، وكل تأجيل هو خيانة لتلك اللحظات التي لا تعود. فلتبدأ، وإن كانت الخطوة صغيرة، فإنها ستكبر مع الوقت وتصبح أفعالك الجريئة هي التي تصنع منك شخصًا آخر. إنك أكثر قوة مما تعتقد، وأكثر قدرة على التحول مما يمكن أن تتصور.

لا تنتظر أن تأتي الرياح بما تشتهي، بل انطلق وكن أنت الرياح التي تقتلع كل عائق.