بين أضواء التقنية.. بريق وعتمة


السبت 2025-02-01

كم مرة التقطنا هواتفنا لنقول كلمة حب، فاكتفينا بإرسال رموز صامتة لا تُشبه نبض قلوبنا؟ وكم مرة جلسنا في غرفة واحدة، لكن المسافات بين أرواحنا كانت أبعد من قارات؟ في عصر باتت فيه التقنية تحكم تفاصيل حياتنا، هل قربتنا من بعضنا أم غرّبتنا عن ذواتنا وعن من نحب؟
لقد صارت هواتفنا كالنوافذ المفتوحة على العالم، نطلّ منها على حياة الآخرين، لكننا نغلقها في وجه مَن يجلس بقربنا. أصبحنا نشبه مدنًا متجاورة، تفصلها أسلاك شائكة من العزلة الرقمية. تحوّلت الحوارات التي كانت تنبض بالحياة إلى نصوص باردة، وبدلًا من أن نسمع ضحكة أحبائنا، نكتفي بمشاهدة رموز أو صور تعبر عنها(ايموجي).
التقنية، تلك الساحرة العصرية، لم تكتفِ باختصار المسافات، بل اختصرت المشاعر أيضًا. أصبحت العلاقات كأوراق إلكترونية قابلة للحذف بمجرد نقرة. نكتب الرسائل، لكننا نفتقد دفء اللقاءات؛ ننشر الصور، لكننا نفقد القدرة على رؤية التفاصيل الحقيقية في عيون الآخرين.
ومع ذلك، ليست التقنية(التكنولوجيا) هي الجاني الوحيد. نحن من سمحنا لها بأن تكون جدارًا بدلًا من أن تكون جسرًا. نحن من وضعنا أرواحنا في صناديق زجاجية، نراقب بعضنا دون أن نلمس قلوب بعضنا.
يا لهذا العالم الرقمي! كأنه غابة من الضوء، تُضيء ظاهريًا لكنها تُظلم في أعماقنا. لعلّنا بحاجة إلى ثورة داخلية تُعيدنا إلى أنفسنا، إلى حديث عميق حول طاولة خشبية بدلًا من شاشة مضيئة، إلى ضحكة صادقة بدلًا من تعبير إعجاب(لايك).
العلاقات الحقيقية لا تُبنى على إشارات شبكة الإنترنت (,الواي فاي)، بل على دفء المشاعر التي لا تُكتب بلغة الأجهزة. فهل نملك الشجاعة لنفصل أرواحنا عن الشاشات ونوصلها بأيدٍ حقيقية؟