(نِعمَ الصديق)


الثلاثاء 2024-10-29

الصديقُ الحقُ في هذه الدنيا، الذي يعتبرُ مثل الأخ الحقيقي من أبٍ وأمٍ، بل يعتبرُ أكثر من هذا الأخ الحقيقي، ورُبَّ أخ لك لم تلده أمك.

فصفات هذا الصديق بل أهم صفاته، أنه فعلًا على علمٍ بما أنزل الله ورسوله، فهو يعملُ بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} الآية 2 من سورة المائدة.

وهو دائمًا يتعاملُ معكَ ومعَ جميعِ البشَرِ بالتعاون على الخير، ويتصدى أمام العمل على الإثم والعدوان على حدٍ سواء، قريبًا كان أو بعيدًا منه من الصلة، بل على علمٍ بقوله جل في علاه: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الآية 9 من سورة الحشر.

ولو رءاك محتاجًا لشيء ما وهو يمتلكهُ ويقدِرُ عليه يعطيكَ إيّاهُ بطيبِ خاطرٍ، بل ويكونُ سعيدًا حتى لو كان بحاجةٍ إليه؛ لأنه يعلمُ ويثقُ تمامَ الثقةِ بأن الله سيعوضهُ بأفضلِ منه، فضلًا عن أنه يعلمُ بما قاله رسولُ الله صلي الله عليه وسلم: (مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ).

الصديق الحق يعلم ماذا يعلمنا الله على بصيره، وللأسف غيره من الأصدقاء الذين يجهلونَ بما قال الله ورسولهُ، ويجهلونَ دينَ الله، فعندما تطلب منه شيء ولو كان بسيطًا يدعي بأنه مشغول أو لا يقدر أو يعتذر على أقل تقدير، والمسكين لا يعلمُ أنه فاته خيرًا كثيرًا وثوابًا عظيمًا من الأجرِ والحسناتِ التي سوف تنفعهُ في دنياه وآخرتهِ يوم أن يتمنى في الآخرة حسنةٍ واحدة تنقذه من نار جنهم والعياذُ بالله، لو يعلمُ المسكين الجاهلُ بدين الله ما كان سيعود عليه من الخير الكثير، لكان ساعد أخيهِ المسلمُ وقضى حاجتهُ، بل وشكرهُ كذلك بعد قضاءِ حاجتهِ، سواء كانت صغيرةً أو كبيرةً، فعلًا يشكرهُ لأنه كان سببًا في حصوله على هذا الخير الكبير والثواب العظيم الذي لا يقدر بمال الدنيا الفاني، ويجده بقبره بحياة البرزخ، ثم يجده بأخرته يوم أن يلقى ربه بقلبٍ سليمٍ.

أيها الأحبةُ الكرام، يعتقد معظمنا أنه من الذكاء والفهلوة -بلغة العصر- أن يتخلى عن صديقة ولا يقف معه ويقضي حاجته، حتى ولو كان شيئًا بسيطًا، يعتقدُ جهلًا بأنه فاز بل أنه ذكيًا وتخلى عن صديقهِ وقت الشدة، أنه حقًا مسكين، ألم يسمع قول رسولهِ الكريم عندما قال: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ)، وأنه قال: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، إنك أيها المسكين الجاهلُ بأوامر الله ورسوله خسرتَ الدنيا والآخرة بعملٍ بسيطٍ، وهو قضاء حاجة أخيك بقدر استطاعتك، حتى ولو مشوار بسيط أو حمله على دابتك، أو تعديته الطريق إذا كان مسنًا أو مريضًا، إنها أعمال بسيطة وثوابها عظيم، ولكن من يسمع؟ ومن ينفذ؟ بل من يعلم؟

يا للأسف، معظمنا يعتقد أنها ذكاء وشطارة منه كما ذكرتُ آنفًا، ولكنه فعلًا جهل بحقيقة دينه فضلًا عن جهلهِ بما قال الله تعالى ورسوله.

أتمنى من شبابنا وفتياتنا الكرام الأحباء في الله التفقه في دين الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لنتعلمَ كيف نتعاملُ مع بعضنا البعض وننشر الخير والحب والمودة فيما بيننا، كي يرضى علينا رب العالمين، وكي نلقاه بقلبٍ سليمٍ، فضلًا عن أن نكون معًا بجناتهِ جناتِ النعيم التي بها الخلود، لا موت فيها ولا مرض ولا فقر ولا تعب ولا نصب ولا هرم، سنكون بإذنه تعالى جميعًا شباب أصحاءَ ننعمُ بما فيها من نعيمٍ مقيمٍ كما أعدها لنا، قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: (أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ).

أتمنى أن نلتقي جميعًا أمة محمد صلي الله عليه وسلم بجنات رب العالمين، بما قدمنا في دنيانا الفانية من معاملةٍ طيبةٍ حسنة بين الصديق وصديقه، والأخ وأخيه المسلم دون أي مصلحةٍ دنيوية، وتكون النية لله ابتغاء مرضاته جلّ في علاه، هيا نبدأ من اليوم قبل الغد ولا تتبعوا عدوّ الله وعدوكم الشيطان الرجيم.