قَدْ أَضْحَى الحُلْمُ حَقِيقَةً


الأربعاء 2024-09-11

إن الحمدَ للهِ نَحْمَده ونستعينه، ونَسْتَغْفِره ونتوب إليه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنْفسِنا ومِن سَيْئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هَادِي لَه، وأَشهدُ أنْ لا إله إلاَّ الله وَأنَّ محمدًا عَبْده ورَسُولُه.. وبعد:

ففي العام 1351هـ/1932م سجَّل التّاريخُ مولدَ هذا الكيانِ العظيمِ "المملكة العربية السّعودية" بعد الملحمةِ البُطوليَّة التّي قادها المؤسس المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه- واسترداده لمدينة الرياض عاصمة العزّ والشّموخ، مُلْك آبائه وأجداده، فكان ذلك في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م. حينما أعلن "الحكم لله ثم لعبدالعزيز" فصار ملكًا على البلاد.

وفي اليوم السّابع عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1351هـ، صدر المرسوم الملكيّ بتوحيد جميع أجزاء الدّولة السّعودية الحديثة تحت اسم "المملكة العربية السّعودية" واختار الملك عبدالعزيز-رحمه الله- يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من نفس العام، الموافق 23 سبتمبر 1932م يومًا لإعلان قيام الدّولة السّعودية الثّالثّة، واعتمد اسم "المملكة العربية السّعودية" اسمًا معتمدًا معترفًا به دوليًا.

وبهذه المناسبة المباركة فإن المملكة العربية السّعودية وفي موعدها السّنويّ، تُطِلُّ بابتهاجٍ وتبتسم احتفاءً بمناسبة اليومُ الوطنيّ (94) لها تحت شعار "نحلم ونحقق" والذي يحمل ببشائرهِ الجميلةِ ودلائلهِ ومعانيه الخالدّة، ليربط ذلك الماضي الأصيل بالحاضر المزهر الجميل، ليُخِبر الأجيال عن مدى سمو وطنهم الكبير ورفعة مجده الذي بناه القادة الحكماء، والرّجال الأوفياء، فقد بذلوا أرواحِهم ودِماءهم، من أجل أن يقدموا للأجيال المتعاقبة الأمن والأمان، والرّخاء الوفير والعيش الرغيد، والصّرح الشّامخ المتماسك العامر بالقوة والمنعة والاستقرار؛ ولكي نواصل جميعًا في تتابع البناء للمنجزات والرُّقي والازدهار والتّقدم نحو تحقيق الأحلام وتذليل الأمنيات لنَصْنَعَ مِنَ الأْحَلامِ رُؤى وَاقِعِيَّةً نحلمُ لنُحقِّق أعلى المراتب في ظل التّسارع العلمي والمعرفي والاقتصادي.

ويُشَكّلُ يومنا الوطني (94) مناسبة مهمة نتذكر فيها نعم الله علينا، ونحن نرى وطننا الغالي يَرْتقي يومًا بعد يوم إلى مزيد من التّطور والنُّمو في مختلف الميادين العلميّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والحضارة العمرانيّة، ويقدِّم تجربةً تنموية فريدة، ليس فقط لما حققته من مستوياتٍ قياسيةٍ من التّقدمِ والازهارِ في مختلف المجالاتِ العلميّة والصّحيّة والتّنموية، بل لما استندت إليه من القيم الإنسانية والحضارية التّي غرست روح الانتماء للوطن في نفوس المواطنين جميعًا بمختلف مستوياتهم العلمية والفكرية، وفئاتهم العمرية، رسمت المملكة العربية السّعوديّة منهاجًا واضحًا، ورؤى مستقبلية هادفة، واختطت أهدافا تنموية شاملة، فأنجزت في وقت قياسي رهيب، وبسرعة أذهلت العالم أجمع بخطوات متسارعة وواضحة، حتى أضحت قبلة الدّنيا دينيا وموئل العالم ووجْهَتِه اقتصاديًا وصحيًا وعلميًا ومعرفيًا وثقافيًا. ولله الحمد والفضل والمنة، ثم لقيادتنا الحكيمة جزيل الشّكر والعرفان والتّقدير والامتنان.

وفي عهد خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبدعمٍ سخيٍّ من سمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -يحفظهم الله- عرّاب الرؤية 2030، فقد استمرت المسيرة الخيّرة لتحقيق أهداف الرُّؤية الوطنية المباركة والتّي تطرق كل أبواب التّقدم والتّطور والنُّمو في مختلف المجالات والميادين، وتحقّقُ الإنجازات التّنْمويّة الكبيرة، والتّي عملتْ على الأُسسِ الثّابتة التّي قامت عليها هذه البلاد المباركة من التّمسكِ بكتابِ اللهِ وهدي نبيهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحفاظًا على وحدةِ البلادِ وتثبيتِ أمنها واستقرارها، وعملًا على مواصلة البناء، وسعيًا متواصلًا نحو التّنمية الشّاملة والمستدامة، وتوظيف إمكانات شبابنا وتسخير وطاقاتهم؛ لتحقيق مستقبل أفضل للوطن مع التّمسك بالعقيدة الصّافية والمحافظة على الأصالة والثّوابت والقيم المجتمعية، وإتاحة المجال لتحقيق تطلعاتهم في إطار مواكبة التّقدم والازدهار الملموس.

وما المبادرة العظيمة والمكرمة الملكية الكريمة التّي أصدرها المقام السّامي الكريم مؤخرًا بمنح الجنسية العربية السّعودية لأصحاب الكفاءات والتّخصصاتِ النّادرة والمتميزين ضمن معايير محددة، ومجالات علمية وعمليّة نادرة وحيويّة تخدم العباد وتنفع البلاد ومن بينها: علوم الطب والصّيدلة، والتّقنيّة والطّاقة النوويّة والمتجددة، والذّكاء الاصطناعي، وهندسة البرمجيات والحواسيب عالية الأداء، وكذا وهندسة العلوم البيئية والجيولوجيا، وتقنية النَّانو، وعلوم الفضاء والطّيران، وغيرها من المجالات العلميّة والشّرعية والتّربوية.

فهي بلا شك تنضاف إلى تحقيق أهداف وتطلعات الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السّعودية 2030 الهادفة إلى تنويع مصادر الاقتصاد والاستثمار، وتحسين جودة الحياة والاستدامة البيئيّة، ودعم الابتكارات وبراءات الاختراع، وتعزيز البنية التّحتيّة وتطويرها، وإنشاء المدن الاقتصادية والمعرفية، ودفعًا لعملية التّنمية وتعزيزًا لها. وعليه فقد أصدرت القيادة الحكيمة -وفّقها الله- منذ عام 2019م أمرًا يقتضي باستقطاب المتميزين في المجالات المعرفية المختلفة من خارج المملكة وداخلها وتكريمهم بمنحهم الجنسية العربية السّعوديّة، وهذه المبادرة المباركة والمكرمة الكريمة الموفَّقة ستسعى إلى خلق التّنافسية وروح التّميز والابداع والتّقدم العلمي والإثراء المعرفي بما يخدم الوطن والمواطنين في كافة المجالات الحيوية والعلمية والمعرفيّة.

نسأل أن ينفع بجميع الكفاءات العلمية الذين نالوا شرف منحهم الجنسية البلاد والعباد أن يجعلهم سفراء خير في خدمة الدّين والمليك والوطن، وأن يكونوا لبنات خير ونماء وإسعاد للبشرية جمعاء، ويبارك فيهم وفي علمهم بما يعود على وطنهم المملكة العربية السّعودية بالخير والرِّفعة والعز والتّمكين والرّخاء والاستقرار.

كما اهتمّتِ القِيادة الحكيمة -يحفظها الله- في المواصلة للقضاء على السّموم ومكافحة المخدرات بجميع صورها وأشكالها والتّصدي لها وتجفيف منابعها والقضاء على مصادر تمويلها،  ونشر الوعي الكافي بين الطلبة والطالبات وجميع أفراد المجتمع وفئاته وتوضيح مخاطرها على الفرد والمجتمع والمقدرات الوطنيِّة للحيلولة دون الوقوع في براثنها وأوحالها والإدمان عليها، والقضاءِ على المحاولات الخبيثة التّي تشكٍّلها بعض المغرضين من العصابات والشّبكات الخارجيّة؛ لمحاولتهم في زعزعة الأمن والاستقرار وإيقاع أبناء وبنات هذا الوطن الغالي في حبائله وبراثنه، نسأل الله أن يحفظهم بحفظه ويكلأهم برعايته ويجعلنا وإياهم في حِرْزِه وضَمَانِه وأَمَانِه، إنه سميع مجيب.

ولا ننسَ أنْ نشيد بجهود وزارة التّعليم ونثمّن القيام بدورها الفاعل من الاهتمام بوضع الإمكاناتِ اللاّزمة للرَّفع من جودةِ التّعليم وزيادة فاعليته، والرَّفع من مستوى منسوبيها، وإكسابهم المهاراتِ والكفايات اللازمة والمطلوبة، وتقديم الدّعم الماديِّ والمعنويِّ للطَّلبة والطَّالباتِ المتفوقين والمتفوقات عبرّ البرامج الإثرائيّة والمؤتمرات العلميّة والزّيارات الدّوليّة والمشاركةِ في الأولمبياد والأندية والمسابقات المحليّة والدّوليّة؛ لتحقيق جودةِ التّعليم وفرص الأعمال الواعدة وريادتها. وقد استثمرتْ الوزارة هذا الدّعم في تحقيق إنجازات متميزة ونجحتْ في الارتقاء الكمي والنَّوعي بمؤسسات التّعليم من خلال رفع كفاءته الدّاخلية والخارجية، وزيادة الاهتمام بالجودة النَّوعية والتّوسع في التّخصصات الرائدة التّي تحتاجها مسيرة التّنمية، ومتطلبات سوق العمل.

وختامًا فإني أجدُ مَشاعِرَ الفخر والامتنان وأنا أسجِّلُّ كلمةَ الوفاءِ بهذه المناسبة العظيمة، ولا أملك إلا أنْ أعبِّر عنْ أسْمّى آياتِ الولاءِ والانتماءِ والوفاءِ لسِّيدي خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز-يحفظهما الله- كما أدعو الله العلي القدير أن يديم علينا وعلى بلادنا الأمْنَ والاستقرار والعِزَّ في ظلَّ القيادة الحكيمة.

بارك الله في الجهود، وسدَّد الخطا ونفع بهم الإسلام وأهله.