تحت الأنقاض


الأربعاء 2024-07-10

تلك الروح التي ضاعت عنك وهامت في سماوات بعيدة، تلك الروح التي تجردت عن أصلها ونفت واقعها ولم تعد تستدل طريق العودة، أنت من أضاعها بجمودك وتسليمك لواقعك، أنت من خذلها حينما تجاهلتها واستسلمت لنفسك، حينما جعلتها رهينة قيود الحاضر، وألزمتها بالانقياد لرتم القطيع، وسلمتها لماضٍ ولى وانتهى، ربطتها بالكثير من أحمال الحاضر المزيف، والزمن الغابر المنقضي، جردتها بفعلك ذاك عن جوهرها وتجددها وتفردها.

نحن كبشر نجلس في كثير من الأحيان مع أنفسنا في خلواتنا ونشعر بالضياع والخمول والكسل، نتغنى بتغريدات متواترة بفقد الشغف والانهزام والانسحاب، وكل ما في الأمر أننا فقدنا الاتصال بأرواحنا، أرواحنا التي أصبحت متكسرة ومشردة، والتي لن نسترجعها ونلتحم بها إلا بعملية هدم عظيمة، عملية تدمير كامل؛ لبناء جديد ونظيف، تلك الروح الراحلة سنجدها حتما تحت أنقاض من ركام الماضي، ركام الخسارات السابقة، ركام الذكريات المؤلمة، ركام الطفولة المعذبة والمدمرة، نحتاج إلى الكثير من الهدم حتى نلتقي بأرواحنا وتهدأ في جوفنا، نحتاج إلى أن نخضع لعملية تغيير عظيمة، نحتاج إلى خلوات حقيقية مع أنفسنا، وللحظات من الجلوس أمام حاضرنا غير المرغوب به، أو ماضينا الذي ولى ولا زال عالقًا في الذاكرة، نحتاج إلى تحطيمه وإزالته من حساباتنا، حتى نصل الى الالتقاء بالروح المهاجرة عنا والاستقرار معها والشعور بالسلام بها.

فبعض الجمال لا يظهر إلا بالتخلي عن بعض المعتقدات الخاطئة وقتل الكثير من الذكريات المؤلمة واستبدالها بحزمة منتقاة من شلالات نور نختارها بعناية ونستخدمها لإضاءة مساءتنا الجميلة وصباحاتنا المتجددة.

فكما طائر العنقاء يسمو ويرتقي من بقايا الرماد، هي تمامًا كما الروح الطاهرة السامية التي تعود وتلتحم بجسد فهم مغزى الحياة وانتعش ونفض عنه غبار الماضي والزيف من الفرص والأشخاص والذكريات.