(سبعٌ عجاف... وأخرُ يابسات)


الأربعاء 2024-05-22

قال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.

في تفسير سيدنا يوسف للرؤيا قانون كوني قد يكون مريح للنفس البشرية فليس هناك حزنُ دائم، ولا بلاءٌ مقيم، ولا سرورُ أبدي، ولا سعادة دائمة، فالحياة تتأرجح بينهما.

فسبع بقرات سمان إشارة إلى السنين الخصبة في الحياة، والسبع العجاف هي السنين الجدبة، فالحياة ما بين سعادة يليها حزن، أو حزنٌ يعقبه أمنٌ وفرح، وكذلك السنبلات الخضر إشارة إلى السنين الخصبة، واليابسات إشارة إلى الجدب، فقصة الحياة واضحة جلية وهي عبارة عن سنينٍ خصبة وسنينٍ عجاف.

فمهما تمادت السنين العجاف لا بد وأن يليها سنينٌ خصبة تعيد للإنسان توازنه النفسي، وتمنحه السعادة، فالله لطيف بعباده، ومهما كثرت المحن فالمنح الإلهية لا تفارق الحياة.

فإن أجدبت حياتكم في الرزق أو التأخير في الإنجاب، أو الوظيفة، أو الزواج سيهبكم الله ذات يوم فتحًا مبينًا من حيث لا تحتسبون، وما على الإنسان في هذه الحياة سوى السعي مع حسن الظن بالله.

ولنا في قصة أيوب عليه السلام بالغ الأثر في الحكمة الإلهية بتغيير الحال حيث كان عليه السلام ذا مال وفير وذرية كثيرة يتقلب في نعم الله حتى ابتلي في أشد أنواع البلاء، فغرق في الضر والمرض والفقر، وفقد كل ما يعينه على الدنيا من صحة ومال وأولاد ولم يبق له إلا زوجته التي ظلت تخدمه سنين عديدة، ولكن أيوب عليه  السلام كان صابرًا على البلاء، موقنًا بالفرج، محتسبًا الأجر والمثوبة، متضرعًا إلى الله بالدعاء {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وبقي على حاله متضرعًا ثماني عشرة سنة حتى أدركه الله بلطفه وعظيم كرمه، وجزيل عطاياه، وأبدل حاله ورفع عنه البلاء، وأعاد امرأته شابة حتى ولد له أضعاف مما فقد من الأبناء جزاء صبره، وثباته، ودعواته، فإن طال الابتلاء لا بد أن يهطل الفرج كالمطر تعويضًا من المولى عز وجل.

وكم لبث سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت مسبحًا حتى أدركه الفرج وقذفه الحوت في الساحل، فالبلاء يعقبه الفرج، وهذا رسول الله محمد عليه السلام خير مثال في الثبات على المحن، والصبر على أنواع الأذى، وصنوف العذاب، وقوة إيمانه في تغيير الكون، فنحن اليوم نعيش في ظلال ما بناه، وحصاد ما زرعه، وعلى نهجه الذي أسسه سنينًا عديدة صابرًا، محتسبًا، واثقًا بربه وبكرمه الذي لا ينضب.

مهما بلغت تلك السنين المجحفة لا بد وأن يكون لكم سنينًا خصبة مليئة بالخير والرزق والسعادة، ومهما ضاقت فالفرج في الأفق يلوح، والأمل يسطع مع كل بزوغ شمس، فهناك في كل مفترق طرق قصة عن الفرج، وعبرة لكل يائس، فالأمل سلاح، والدعاء سلاح، وحسن الظن بالله سلاح.

فالله سبحانه وتعالى لطيف بعباده فإذا نزل البلاء كان في معيته التيسير واللطف، فالحياة تسير على منهج رباني واضح {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.

إن أمر الله كله خير سواء في المنع أو العطاء، فلنتقن الرضا، ونحمد الله عز وجل في السراء والضراء، وأعلم يقينًا أن البلاء إذا نزل على العبد أفقده السيطرة على نفسه، وأقبل معترضًا متشائمًا، يتلوى من الحياة ويتذمر، فما أجمل الصبر حينها وحسن الظن بالله، وعدم الاستسلام للظروف الصعبة، والعمل على مواجهة الصعاب، واليقين التام بأن الحياة لن تدوم على وتيرة واحدة، والخير كل الخير في أيامها.