استكمالًا للمقال الأول نبدأ في وضع أمثلة للتأثير الذهني عن الأعمال الفنية، ومن تنوع الأعمال الفنية، وقد بدأنا بالفنون التشكيلية وتحليل بعض منها سنحاول الوصول في نهاية المقالات عن النتيجة المرجوة وهي كيف للفنان أن يكون لديه الأدوات والمفاهيم ليست الفنية فقط، ولكن النفسية أيضًا للوصول بالمنتج الفني للمتلقي في أنحاء العالم حتى وإن كان العمل محلي.

فلنبدأ بوضع مثال لفن الحروفيات وسوف نبدأ بنبذة مبسطة عنه، حركة الحروفية أو الحروفيات في عالم الفن التشكيلي ظهرت في أواخر القرن العشرين بين الفنانين العرب وغيرهم ممن استلهم جماليات فنون الخط العربي وحروفها في أعمال فنية بشكل معاصر وحديث وهي تندرج اليوم ضمن الفن الحديث. تتميز الحروفيات بالجمع بين التقاليد والحداثة، عمل هؤلاء الفنانون على تطوير لغة بصرية عربية، غرست إحساسًا بالهوية الوطنية في دولهم القومية، في الوقت الذي استقلت فيه دولهم عن الحكم الاستعماري. لقد تبنوا نفس اسم الحروفية، وهو نهج للصوفية الذي ظهر في أواخر القرن الرابع عشر - أوائل القرن الخامس عشر. وصفت مؤرخة الفن ساندرا داغر الحروفية بأنها أهم حركة ظهرت في عالم الفن العربي في القرن العشرين. كان الفن التقليدي الحروفي مقيدًا بقواعد صارمة، حيث يحظر تصوير أو رسم البشر وذات الأرواح فيها كذلك كانت معظمها ذات ارتباطات دينية أو تعبدية إسلامية. الخطاطون يتدربون على إتقان واحتراف الخط العربي لسنوات عديدة من أجل اكتساب كل من التقنية والقواعد التي تحكم الخط. تحرر الفنانون الحروفيون المعاصرون من هذه القواعد، مما سمح بفك الحروف العربية وتغييرها وإدراجها في الأعمال الفنية التجريدية.

واللوحة الأولى كمثال لفن أو حركة الحروفيات للفنانة التشكيلية السعودية الأستاذة عبير العطاس:

أبدعت الفنانة الأستاذة عبير العطاس في إخراج رائع لثقافتها وبيئتها في صورة جمالية باستخدام فن الحروفيات وما بين الألوان المختارة من البيئة والظل والنور والتكوين العام للوحة من تفاصيل الجمال والرجل الذي له نظره في اتجاه معبر عن حركته مع اتجاه الجمل والذي أعطى حركة رمزية وما بين رأس الجمل الكبيرة والمرسوم بحرفية عالية من اختيار الحروف للرسم بها إلى اتجاه رأس الجمل ووجود القمر والذي أعطى جمال وجذب للمتلقي مع استخدام ضوء القمر التدريجي.  ومع محاكاة المكان الرائعة ما بين التلال والنخيل والمنفذين بدقة شديدة. كل هذه العناصر أدت إلى لوحة ترسل إلى عقل المتلقي إشارات عديدة ومختلفة. وهذه اللوحة من أمثلة اللوحات التي تنبع من البيئة المحلية، ولكنها ترقى إلى مستوى جذب لأي متلقي. كما أننا نري في اللوحة استخدام لفن الحروفيات بشكل متزن وحرفية عالية.

اللوحة الثانية من أعمال الفنانة التشكيلية السعودية الأستاذة منيرة السليم واللوحة باسم سفرة سعود:

وبسؤال الفنانة الأستاذة منيرة السليم ما المغزى من هذا الاسم؟ كان ردها أن الاسم نسبة إلى الملك سعود -رحمه الله عليه-. فقد ازدهرت في عهده، فكان عصره من أزهى عصور الموضة في المملكة العربية السعودية. حيث كان يهتم بالمرأة والجمال وكان هذا القماش من أغلى أنواع الأقمشة من وقته إلى الان. كان يستورد من القوافل التجارية بالهند وهي ثياب مبتكرة مصنوعة من قماش حرير الزري الهندي المزخرف والمطرز بنقوش من الذهب والفضة الخالصة على شكل دوائر كبيرة تشبه السفرة التي تستخدم لوضع الأكل عليها من نجد. وكان يوصي بنقشها وتطريزها بعدة ألوان للقماش ويطلب معها الشعار السعودي بالسيفين والنخلة في وسط الدائرة كلباس لأسرته في الأعراس والمناسبات وهدايا لضيوف الدولة. وكان لباس ترتديه سيدات المجتمع ذلك الوقت. أولًا من هذه الإجابة نتأكد من حرفية واتقان الفنانة في دراسة لوحاتها قبل اختيار الفكرة وطريقة التنفيذ وسوف يكون لنا بحث خاص مع الفنانة منيرة السليم عن طريقة عملها في لوحاتها لاحقًا.

Mounirah Al saleem Methodologys

هذه اللوحة يتأصل فيها كل العناصر المستهدفة من بحثنا عن تأثير الفن على عقل المتلقي باستخدام الأدوات العلمية والإيجابية للوصول من التراث المحلي إلى فهم ونجاح عالمي.

اللوحة تنقسم في تحليلها إلى قسمين رئيسين هي: المرأة بتفاصيلها، ملابسها التراثية والعقد والحناء والمكان والباب وصناعته والإكسسوارات الخاصة به.

أولًا نفسيًا هي صورة لامرأة جميلة محتشمة لها نظرة تدل على أنها طيبة القلب من بيئة راقية محافظة ومن خلال لغة الجسد تدل على أنها من بيئة لها أصول عربية ذات مبادئ تخص الالتزام الديني والمجتمعي غير أنها ترتدي لباس تراثي يدل على فخرها بالوطن، والتفاصيل التي بالمرأة من حلي (العقد والأساور المصنوعة بصناعة تشعرنا الفنانة أنها مصنوعة بحرفية عالية ومن الطراز القديم) المتناسقة تمامًا مع ملابسها والحناء وطريقتها التقليدية الجميلة.  كما أن المكان والباب يتناسق تمامًا مع وصف المرأة من حيث الحالة الاجتماعية والنسق الإنساني، وإذا نظرنا إلى الباب نرى في ببساطته حكاية من حكايات كل مدينة من مدن المملكة وكل حي قديم تحكي بيوته الكثير من القصص، ومن تفاصيل الباب بالمطرقة والمزلاج والتي أخذ ألوان تسمح لنا بتخيل أنه مصنوع من النحاس والذي يتناسق تمامًا مع كل ما سبق من تفاصيل المرأة والمكان (من مميزات المملكة العربية السعودية تنوع العمران فيها، فطريقة بناء بيوت شرق المملكة يختلف عن غربها وطريقة البناء شمالها تختلف كليًا عن جنوبها، مما جعلها جزيرة ممتلئة بالجمال والتاريخ والقصص) ونرى في اللوحة مدى تركيز الفنانة منيرة السليم بدراسة اللوحة والفكرة في كل تفاصيلها. وهنا يكتمل تحليلنا للوحة من الناحية الثقافية والتراثية التي تخص بيئة وثقافة الفنانة. ووضح تمامًا كيف يفكر المتلقي أيضًا الذي ينتمي لنفس البيئة والثقافة، ولكن هنا لنا سؤال هام وهو محور مجموعة مقالتنا في دراسة تأثير الفن التشكيلي على العقل الإنساني وكيفية استفادة الفنان من تلك الدراسات، والسؤال هو (ما هو تأثير هذه اللوحة على أي متلقي حول العالم ليس له نفس ثقافتنا العربية؟)

أي متلقي حول العالم ليس له علاقه بثقافتنا سينظر إلى اللوحة بمنظور مختلف وسيبدأ في النظر إلى العمل ككل. هل لها شخصية؟ هل العمل مثير للاهتمام؟ هل ستعجبه الألوان أم الأسلوب؟ هل أعجب بالفكرة مهما كانت بساطتها؟

هيا نبدأ الإجابة على هذه الأسئلة في لوحتنا (سفرة سعود) نعم العمل له شخصية، نعم العمل له شخصية وتبعث على الانجذاب والتفكير، ونعم العمل مثير للاهتمام (أي متلقي سيفكر ما هو الشيء الذي تنظر إليه المرأة، والملابس والطراز المعماري بتفاصيله الغريبة والجميلة على أي متلقي ليس لديه نفس ثقافتنا) الألوان متناسقة وجذابه ومريحة للعين وترسل إشارات للعقل بأن هناك قصة ما وراء اللوحة، نعم هناك فكرة وراء تلك اللوحة، فكرة الفنانة في رسم اللوحة، وبها من الجمال والرقة والتراث العربي بتفاصيله والأفكار الأخرى سيقوم كل متلقي بنسجها في خيالة.

ما بين لوحة الفنانة عبير العطاس ولوحة الفنانة منيرة السليم نحن نمتلك كل مقومات الفن التشكيلي المحلي الناجح والعبقري النابع من ثقافتنا، والذي يمتلك كل مقومات التأثير النفسي لمحاكاة أي متلقي على كوكب الأرض، والخلاصة نحن نملك فنانين وفنانات لديهم القدرة على إيصال الأفكار والمفاهيم بطريقة جذابة وخلاقة وقوية. وأيضًا القدرة على نقل الانفعالات والمشاعر من خلال أعمالهم.

"الفنان العظيم هو المبسط" فنسنت فان غوغ "The Great Artist is The Simplifier "Vincent Van Gogh.