بحرة المدينة


الأحد 2023-06-25

البحرة والبحيرة من أسماء المدينة المنورة، وتعني البلدة والمنخفض من الأرض والمكان المتسع وكل ذلك ينطبق وصفه على المدينة المنورة، غير ان الذي يتبادر الى الذهن هو حوض متسع تجتمع فيه المياه لفترات طويلة ويطلق عليه البحيرة.

ومن المكونات الطبيعية التي تمتاز بها المدينة المنورة وجود بحيرة مائية عذبة تقع في الجهة الشرقية الشمالية منها على مسافة أربعة عشر كيلو متر من مسجدها الشريف، هذه البحيرة التي تسمى اليوم بالعاقول هي في التاريخ منطقة حبس سيل.

مصادر مياه العاقول:

العاقول عبارة عن قاع تكتنفه عدة مرتفعات تنصب منها شرائع وأودية تجتمع مياهها في هذا القاع الذي يستمر لفترات تطول وتقصر بحسب الحالات المطرية، ومن أهم هذه المصادر:

وادي الخنق وتأتي مياهه من قرقرة الكدر التي تسمى اليوم قاع حضوضاء، وكذلك ما يسيل من جبال تيم المشرفة على العاقول من جهته الشرقية، وهناك أيضا ما يفيض الى القاع من شماله كوادي نعامين ووادي الخضراء الذي كان يسمى تاريخيًا "بالأعوص"، هذا إضافة إلى شراج ومسائل الحرة المشرفة على العاقول حيث تعتبر أيضًا من مصادر المياه الهامة.

لابة العاقول:

يقع القاع بين حرة موغلة في القدم، وقد علتها لابة أخرى من الجهة الغربية وذلك في سنة 654هـ عندما ثار أخر بركان جنوب شرق المدينة وامتدت لابته حتى ألقت عصًا سيرها غربي القاع، فارتفع بذلك منسوب الحرة مما زاد من كمية الماء المحتجزة.

هذه الحرة لم تؤثر عليها عوامل التعرية والتجوية لحداثة زمنها الجيولوجي فبقيت ملامحها المهيبة بسوادها الداكن والغنية بمظاهرها الجيولوجية المتنوعة بين تجاويف وانابيب ووسائد وبروزات مسننة مما جعلها تضفي على منطقة العاقول جمالا طبيعيًا آخر حيث تلفع بياض القاع بسواد الحرة.

سدود العاقول:

يحتجز حوض العاقول كميات كبيرة من المياه بناء على مساحته وعمقه، وفي حال فيضان الماء من الحوض يتجه إلى وادي قناة المار بمنطقة شهداء أحد رضي الله عنهم، وقد حدث في القرن السابع والثامن الهجري انخراق لحاجز اللابة فتدفق الماء من الحوض بشكل كبير، لذلك ومنذ عصور مبكرة نشأت فكرة إقامة السدود على مصادر حوض العاقول بدأت من عام خمسين للهجرة حيث انشأ معاوية رضي الله عنه سدا في وادي الخنق، وهناك سد اثري آخر عند مصب الماء في الحوض هدمته لابة بركان 654هـ ولم يبق منه الا بعض اثاره، وفي إطار الجهود المبذولة للتحكم في مياه الحوض ودرء خطر فيضانه تم تشييد عدة سدود حديثة، بدأت بسدين حجريين، ثم تم بناء سدين في موضعهما من الخرسانة المسلحة وفق أعلى معايير الجودة والإتقان، إضافة الى السد الذي تم تشييده على مفيض قاع حضوضاء في وادي الخنق وهو أكبر مصادر مياه حوض العاقول.

البعد التاريخي:

هناك بعد تاريخي في منطقة العاقول يرتبط بالسيرة النبوية الشريفة يتمثل في مرور النبي صلى الله عليه وسلم بها في غزوة قرقرة الكدر، وكذلك في أحداث غزوة السويق حيث سلكت قريش هذا الطريق عند قدومها للمدينة، وقد استمر هذا الطريق دربا للقوافل يربط ما بين المدينة المنورة ومكة المكرمة إلى نهاية عصر السفر بالجمال.

وكذلك نجد العديد من النقوش والكتابات التي تعود الى العصر الإسلامي المبكر على امتداد وادي الخنق إضافة الى رسومات ونقوش تتوغل تاريخيًا إلى عصر ما قبل الإسلام مما يدل على استيطان بشري ونشاط زراعي مبكر في هذه المنطقة.

الفخار المديني:

تعتبر صناعة الفخار من أقدم الصناعات البشرية، وقد امتازت المدينة المنورة بها منذ عصور سابقة وخاصة في الأوعية الفخارية التي تستخدم في حفظ الماء، فعندما ينحسر ماء بحيرة العاقول يكشف عن طبقة طينية تعد من أجود أنواع الطين فتصنع منه جرار الماء والأزيار والشراب، ونظرًا لما يتميز به طين العاقول من نفاذية ومسامية عالية كان أكثر كفاءة في تبريد الماء لذلك انتشرت سابقًا على ضفاف وادي قناة والعاقول العديد من مصانع الفخار التقليدية التراثية التي مازال بعضها قائما إلى اليوم.

الحياة الفطرية:

تجذب مياه العاقول العديد من أنواع الطيور حيث تجد فيها بيئة خصبة للعيش والتكاثر وخاصة في مواسم الهجرة، إضافة إلى تواجد أنواع من اسماك المياه العذبة، وقد ذكر عرام بن أصبغ السلمي (275هـ) نوعا منها اسود اللون يعيش في مماسك المياه في هذه المنطقة يصل طوله الى ذراع واحد وكأني به يعني سمكا يسمى بالقرموط (السلور) الذي يتواجد في البحيرات والمياه العذبة، غير أن الذي عهدناه من أسماك حوض العاقول نوع صغير بطول السبابة ولا يتجاوز الفتر.

هذه الجوانب التاريخية والطبيعية والحضارية لمنطقة حوض العاقول جعلته نقطة جذب للتنزه والترويح منذ القدم، واليوم نجد حوض العاقول منطقة حيوية مزدهرة نالت حظًا وافرًا من العناية والرعاية في كافة نواحي الحياة فشقت إليها الطرقات المعبدة وتوفرت بها كافة الخدمات، وتتوج اليوم بمشروع حديقة العاقول التي ستكون مميزة بموقعها وفريدة بعناصرها ضمن مشاريع الأنسنة وجودة الحياة.