المرأة السعودية وتأسيس الكيان: عطاء وحكمة وفداء


السبت 2023-02-25

ظلت المرأة السعودية، منذ عهد التأسيس محل حفاوة وتقدير من قبل القيادة السعودية، وتعد المكانة الرفيعة التي تحظى بها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان ؛ امتداداً تاريخياً لكل مراحل الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة، حيث لم تغب  يومًا عن لعب دور الشراكة في بناء وتنمية الوطن والدفاع عن ترابه الوطني وإعلاء شأنه.

ويعود فضل كبير للمرأة السعودية في تأسيس الدولة السعودية الأولى والدفاع عن حياضها، وقد يكون هذا الدور ما زال غامضًا لدى البعض، لذا أعتقد أن الوقت قد حان لإلقاء الضوء عليه، ونرى أن الاحتفاء بذكرى التأسيس يوفر فرصة مناسبة للحديث عن هذا الموضوع، لما للمرأة من دور كبير في نجاح الإمام محمد بن سعود في تأسيس الدولة السعودية الأولى التي كانت علامة مضيئة في تاريخ المنطقة في أحلك الظروف والأوقات التي كانت تمر بها، عندما كانت تعاني من ثالوث التخلف: الفقر والجهل والمرض، وتقع بلدانها بين مطرقة الاستعمار الذي بدأ لتوه وسنديان السيطرة العثمانية.

وأول من ساهمت في هذا الدور هي زوجة الإمام محمد بن سعود نفسه، الأميرة موضي بنت سلطان أبو وهطان التي كان لها الفضل الأكبر في الجمع بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود، فعندما وصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية قصد إلى بيت محمد بن سويلم العريني الذي خاف على نفسه من محمد بن سعود وأراد أهل الدرعية أن يخبروا الإمام بمقدم الشيخ، لكنهم هابوه، وأتوا زوجته موضي.

ويذكر ابن بشر بهذا الصدد (عنوان المجد في تاريخ نجد، الجزء الأول ، ص11) أن موضي كانت ذات عقل ومعرفة، فأخبروها بمكان الشيخ وصفة ما يأمر به وينهى عنه، فوقر في قلبها معرفة التوحيد وقذف الله في قلبها محبة الشيخ، فلما دخل عليها زوجها محمد أخبرته بمكانه، وقالت إن هذه الرجل أتى إليك وهو غنيمة ساقها الله لك فأكرمه وعظمه واغتنم نصرته، فقبل قولها، وألقى الله سبحانه في قلبه للشيخ المحبة... فسار إليه محمد، فدخل عليه في بيت ابن سويلم ورحب به، وقال: ابشر ببلاد خير من بلادك وابشر بالعز والمتعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين وهذه كلمة (لا إله إلا الله) من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك البلاد والعباد، وهي كلمة التوحيد، وأول من دعت له الرسل من أولهم إلى آخرهم. وكانت تلك (كلمة التوحيد) كلمة السر في تأسيس هذا الكيان الشامخ.  

وقد ساهمت موضي في دعم الحركة العلمية في تلك الحقبة من خلال تشجيعها طلاب العلم، ويمكن القول إنه لولا الله ثم تلك المرأة التي أنقذت حياة الإمام محمد بن سعود لما قامت الدولة السعودية الأولى، ففي حادثة وقعت عام 1139هـ/ 1727م، قبل أن يتولى محمد بن سعود إمارة الدرعية غدر أمير العُيينة بضيفه أمير الدرعية زيد بن مرخان فقتله، وكان في رُفقته الإمام محمد بن سعود وآخرين لجؤوا إلى مكان حصين ولم يخرجوا منه إلا بأمان الجوهرة بنت عبدالله آل معمّر، فكانت سبباً في إنقاذ حياته.

وقد لا يعلم البعض أن هذه المرأة بعد إنقاذها لحياة محمد بن سعود بـ 15 سنة تتزوج من «محمد بن عبد الوهاب» والذي سيتفق مع «محمد بن سعود» على تأسيس الدولة السعودية الأولى على أسس العقيدة النقية تحت راية التوحيد.  

وفي تاريخ الدولة السعودية الأولى من النساء من دافعت عن تراب الوطن، وقادت الجيش بكل شجاعة وإباء في معارك البطولة والفداء، وهو ما تمثل بشكل خاص في شخصية غالية البقمية التي كتب عنها المؤرخون الإنجليز والفرنسيين والعراقيين والمصريين والحجازيين، وتطرق إليها الرحالة والمستشرقين عندما ضربت أروع نماذج الوفاء دفاعاً عن مبادئها وأرضها وبلادها، فكانت عنوانًا للنضال ومنبرًا للمقاومة، ورمزًا للبطولة والفداء عندما قادت الرجال نحو النصر على حملات محمد علي باشا -التي كانت تستهدف القضاء على الدولة السعودية الأولى- في معركة "تربة" الشهيرة عام 1228هـ بعد وفاة زوجها.  

عندما نستذكر ذكرى التأسيس فينبغي أن لا ننسى أولئك النسوة الثلاث اللات شكلن علامة بارزة في المسيرة السعودية في بداية انطلاقتها المجيدة ، واللاتي سطرن بأحرف من نور أجل ملاحمها وأحلى معانيها.