هوية المدن


الجمعة 2022-06-24

إن هوية المدن ترتبط في الأذهان بذلك البلد أو تلك المدينة، وهي في أحيان كثيرة تكون نتيجة طبيعية لتاريخ يمتد على مدى عقود أو قرون، لتصبح مرادفا لتلك الهوية أو الصورة، وقد تسعى مدن ــ عن قصد ــ لتصنع لها هوية معينة خاصة بها، وقد تتكون الهوية بسبب قاعدة اقتصادية، فلو ذكرنا الأزياء فمباشرة نذكر باريس او ميلانو، وإذا ذكرنا الشواطئ مباشر نذكر ميامي وجزر الكناري ومكناس والمالديف، وإذا ذكرنا صناعة الساعات جاءت سويسرا وغير هذه الأمثلة كثير.

يقول ادريس مقبول: " كان للمدينة العربية (بغداد وفاس والقاهرة والقيروان وغيرها" في التاريخ الوسيط طابع عمراني وهوية عمرانية تعبر عن فلسفة الوجود والانسان ورؤيته النسبية المنسجمة لقيم الجمال والأخلاق والتنظيم المركب لقطاعات الاقتصاد والتجارة والصناعة والفلاحة وغيرها بالإضافة الى انسجام كل ذلك مع مناخ الجغرافيا العربية.

كما ان لهوية المدن ارتباط وثيق بالفكر العمراني والثقافي اللذان ترتبط بهما المدينة، فعندما تتكلم عن المدن الحدائقية فمباشرة تأتي لندن في الذاكرة، وان تكلمت عن المدن الشبكية تأتي نيويورك، وإذا تكلمت عن مدن الميادين تأتي باريس وغير ذلك كثير وهناك مدن تداخلت الأفكار العمرانية فيها فمثلا في القاهرة تجد خليط بين الفكر الإنجليزي في وسط البلد للمدن الحدائقية (حي جاردن سيتي) ونجد الفكر الفرنسي في حي مدينة نصر والفكر اليوناني في مصر الجديدة والفكر الاسلامي في مصر القديمة.

وعلى ذلك يمكننا القول ان عراقة المدن تقاس بحفاظها على هويتها وتراثها العمراني، ومن المؤسف أن نجد مدننا تنسلخ من هويتها العمرانية، فما الذي حدث؟ وكيف تحولت من مدن لها هوية إلى مدن عادية بل تعدى الامر لتصبح مدن مشوهة بصريا وضاع جمالها بالعشوائيات بل اصبحت تتسم بالفوضى. 

وسنبدأ الإجابة من تعريف هوية المدينة، الهوية عبارة عن تراكم تراث عمراني، اجتماعي، اقتصادي وثقافي ينمو ويتتابع ويتراكم على مر السنين، ويشكل هذا التراث مجموعة من المتغيرات ذات المضامين العمرانية والثقافية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية.

وتتأصل خصائص الهوية ضمن عناصر المكان فترتبط به وتمنحه روحا خاصة تميزه عن غيره من الأماكن، ويستشعر زوار المكان هذه الروح ويحسون بها من خلال ما تلتقطه مختلف حواسهم، حيث تختلط روائح المكان بالأصوات الصادرة عنه مع المناظر والمشاهد المتتابعة من خلال التجول فيه، وتتخزن مجموعة التجارب تلك في الذاكرة وتتأصل لتشكل نموذجاً ذهنياً يختص بتلك المدينة بعينها، ونظراً لتميز حاسة البصر فإن المشاهد والصور الذهنية التي تخزنها الذاكرة عن الهوية العمرانية تبقى الأكثر قوة ووضوحاً في ذاكرة المتلقي على مر الزمن لذا سوف تجد ان معظم حديثي يتركز حول الهوية العمرانية للمدن.

يعد الحفاظ على هوية المدينة وعدم انطماس هويتها ـ من ناحية الفكر العمراني ـ  احد اهم مقومات المدينة واتذكر ان في بريطانيا تم تغير مسار طريق وذلك للحفاظ على شجرة تمثل احد مقومات هوية تلك المدينة (حيث ارتبط تعريف المدينة بتلك الشجرة المعمرة) ولعدم تغير هوية المدينة ولذلك السبب فقط تم تعديل مسار الطريق، ولو نظرنا لمعظم مدن العالم لنجد ان الحفاظ على الهوية والعمل على عدم تغيرها هو شغلهم الشاغل ولكن ومع الاسف ليس ذلك هو الحال لدينا وهنا يبرز السؤال مجدداً (لماذا؟).

مما لا شك فيه ان التسارع الكبير في نمو مدننا ــ بسبب الهجرة المستمرة ــ نتج عنه أكثر من هوية في المدينة الواحدة، فنجد لدينا الهوية القديمة للمدينة والهوية الحديثة والهوية العشوائية وقيس على ذلك. هنا يأتي التحدي الاكبر للمخطط العمراني والذي يتمثل في كيفية دمج هذه الأنماط بحيث تُكون سياق واحد متناغم يؤكد على الهوية العامة للمدينة ولا يؤثر سلباً عليها.

لكن الواقع يصدمنا فلو نظرنا الى المدن التي شيدت بأفكار تخطيطية عمرانية تعزز هويتها، نجد انها فقدتها وأصبحت مدن دون هويه واضحة بل تسير على نمط متقلب حسب الاحتياجات والتغيرات.

فكلنا نتذكر مدينة جدة وهويتها المحفوظة في البال بانها مدينة الميادين ذات المجسمات والتحف التصميمية ولكن اين هي الان من ذلك؟ وما هو واقعها الان؟ اين هي هذه الميادين فقد تمت ازالتها بداعي معالجة الازدحام المروري وبإعادة النظر نجد ان ما حدث هو ازالة تلك الميادين ومازال الازدحام قائم نجد ان جمال المدينة اندثر وفي المقابل لا شيء، وليست الرياض ببعيد عن ذلك فلو نظرنا الى الرياض الان هل هي تلك المدينة ذات المركز الواحد الشريطي؟ ام هي المدينة ذات العمائر المتناثرة داخل الاحياء بحجة نسبة البناء على مساحة الأرض؟ ام هي المدينة ذات المراكز المتعددة والمشاريع المميزة؟ ام هي المدينة ذات التمدد العمراني السرطاني في جميع الاتجاهات؟ الاجابة وببساطه هي المدينة التي فقدة هويتها العمرانية. 

ولو نظرنا الى مكة المكرمة والمدينة المنورة لوجدنا انهما قائمتان على فكرة المدن الاشعاعية وهي نفسها فكرة المدن الإسلامية التي تقوم على مركز المدينة وينطلق منها الشوارع على شكل اشعاع وبوجود الحرمين لاتزال الهوية موجودة واتمني عدم تغيرها كالمدن السابقة خلال تطويرها والحفاظ على الهوية الاسلامية فيها .

والان حان دور الاجابة والتعرف على السبيل الى الحل وحينما نقول الحل فان ذلك لا يقتصر على معالجة متغير واحد فقط (على سبيل المثال ازمه الازدحام في جدة) ولكن مفتاح الحل وسر نجاحه يكمن في مضمون تعريف الهوية الذي اشرنا اليه وفي  تكامل وتناغم مجموعة المتغيرات ذات المضامين العمرانية والثقافية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية.

أي ان الرهان على السياسات العمومية وحده غير كافٍ، إذ لابد من تكاثف الجهود، وإعادة إحياء كل أشكال المضامين العمرانية والثقافية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية، التي تعمل على الحفاظ على تماسك وتعزيز هوية المدن.

لذا فإن كل الجهود التي تسعى إلى الحفاظ على هوية المدينة من خلال النواحي العمرانية فقط، او إعادة إحياء قيم التصاميم العمرانية الأصيلة ومحاكاتها في الامتدادات الجديدة، (وهي بالمناسبة جهود مهمة وأساسية للحفاظ على هوية المدينة ولا بد من الاستمرار فيها) ولكنها غير كافية ويشوبها القصور إذا لم ترافقها عمليات الحفاظ وإحياء المضامين الثقافية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية، فبدون ذلك، فإن كل الجهود المبذولة ستفرز مدينة ذات هوية منقوصة هوية بدون روح ولن تفلح في مقاومة تدهور الهوية وعليه فإن تعزيز هوية المدينة واستدامتها يتحقق فقط بالدمج والتكامل بصورة متناغمة بين الحفاظ على الأشكال العمرانية الأصيلة وإحيائها وبين تلك المضامين.

وخلال دراسة وتحليل التجارب العالمية الرائدة والمتنوعة في هذا الاتجاه واستخلاص طرق الاستفادة منها حيث أسست لجان ووكالات حكومية وشبه حكومية للحفاظ على هوية المدن، ولعلي هنا أسلط الضوء على أحدها وهي وكالة المعالم في بوسطن هيئة المعالم في بوسطن (Boston Landmarks Commission)  التي تُعد جزءًا من دائرة مدينة بوسطن البيئية، وتهدف إلى الحفاظ على هوية المدينة والمباني والأماكن التاريخية وفق قاعدة أساس تعمل عليها الوكالة تتمثل في أن الحفاظ على هوية المدينة يكمن في فهم الماضي من خلال ما تركه الناس وراءهم من مضامين اجتماعية وبيئية واقتصادية ، وتتلخص منهجية عمل هذه الوكالة في القيام بمجموعة الإجراءات والوظائف التخطيطية والتصميمية لإدارة الموارد الثقافية والبيئية والمواقع والأحياء التاريخية وتقليل التأثير السلبي عليها وبهدف الحفاظ على هوية مدينتهم.

وهنا يبرز لنا سؤال جديد وهو كيف يمكن الحفاظ على هوية مدننا ؟

ومن الدراسات السابقة ومن الخبره البسطه التي اكتسبتها اقول انه يجب عمل مخططات عامة للمدن ل خمسه وعشرون سنه قادمه على الاقل تكون موضح عليها هوية المدينة والشكل العمراني والاهم من ذلك عدم الامساس بهذا المخطط مهما تغير المسؤول او الهيئة المعنيه بتنفيذ هذا المخطط وتقوم الهيئة المعنية بذلك بتقيم تنفيذ المخطط كل خمسة سنوات وماهي الصعوبات في حاله عدم تنفيذ المخطط بشكله المتوقع وفي الملكة العربية السعودية ممكن لهيئات تطوير المدن دوراٌ كبير بوضع مخطط هوية المدن وعلى للامانات تنفيذ هذا المخطط بشكله المطلوب.