التشوه البصري


الاثنين 2021-11-01

كم سؤلت عن التشوه البصري وهل التخطيط العمراني له صلة في ذلك؟ وهل له علاج؟ وكم كنت حائر من أين ابدأ! فكان لابد من تعريف للتشوه البصري.

التشوه البصري "Visual pollution": هو مصطلح يطلق على العناصر البصرية غير الجذابة، سواء كانت المناظر التي لا يريد الشخص أن ينظر إليها، وتعوق قدرة المرء على التمتع بالمنظر العام والبيئة المحيطة عن طريق خلق تغييرات ضارة في البيئة الطبيعية مثل: (اللوحات الإعلانية، النفايات، الأسلاك الكهربائية، الجدران والمباني، حتى وسائل المواصلات والازدحام المروري قد يعتبر نوعًا من التلوث....الخ)، وبأسلوب أكثر بساطه يمكننا أن نعرفه بأنه هو التدهور المرئي وسوء المنظر.

 والتشوه البصري هو قضية جمالية، تشير إلى آثار التلوث التي تضعف قدرة المرء على الاستمتاع بمنظر أو مشهد جمالي، وقد يكون التشوه ناتج عن تشوه المنظر ذاته (مثل الطلاء على المباني وتراكم النفايات) أو عن حجب الاستمتاع به (مثل تلوث الهواء بجزيئات تعيق الرؤية، أو وضع لوحات إعلانية في موقع غير ملائم)، وقد يتولد من مصادر طبيعية (مثل حرائق الغابات)، ولكن غالباً ما يأتي من مصادر بشرية فكلنا يعلم تأثير البشرية المدمر على الأرض بصفة عامة وعلى البيئة بصفة خاصة.

وهنا نجد أنه كل ما أحدثه الإنسان في الطبيعة بقصد أو بغير قصد يعتبر نوع من التشوه البصري، فلو نظرنا إلى ما خلقه الله من صحراء وبحار وأوديه وأنهار فلا نجد اختلاف على جمالها والتنسيق بينها، ولا أنسي ما قاله لي الدكتور الفاضل ماجد سعيد عندما كنا ندرس تنسيق المواقع "إن لم تستطع عمل تنسيق دون تغير في الطبيعة فلا تستحق أن تكون مخطط ومصمم عمراني حيث أن ما خلقه الله عز وجل لا يستطيع الإنسان أن يخلق أجمل منه" لذا فيمكننا القول أنه إذا تدخل الإنسان بالطبيعة بطريقة غير مدروسة ومحسوبة جيداً فلا خلاف على أن التشوه البصري قد بدأت ويبقى الخلاف على مدى مستواه.

ونظرًا لكون التشوه البصري قضية جمالية فإنه يختلف من شخص إلى آخر حيث إن الذوق العام مختلف عليه فما تراه جميل يراه الآخر غير ذلك، لذا كان من المستحيل الوصول إلى اتفاق عام موحد يكون فاصل في هذه القضية وبالتالي يصعب تصور المدينة الفاضلة التي كان يتكلم عنها أفلاطون، ومع ذلك يمكن ومن خلال التخطيط والتصميم العمراني أن نقترب منها بل ونصل إلى العلاج وإليكم السبيل.

حيث أن التشوه البصري لا يعد مصدرًا رئيسيًا للتلوث، ولكنه عارض ثانوي لمصادر تلوث أخرى تتقاطع فيما بينها،  وبالتالي يصعب قياسه والتعامل معه ومع ذلك فقد تم إنشاء أُطر للقياس مثل استطلاعات الرأي العام والمسوحات والمقارنات المرئية والمقاييس المكانية وذلك بهدف وضع المعايير التي تقلل من التشوه البصري لدينا فمـن خلال تقيـيم الواقـع الحـالي وتحديـد المـؤثرات الإيجابيـة والسـلبية، يمكن وضـع مقترحـات تساعد على تطوير وإيجاد تكوين بصري وجمالي منسـجم ومـتلائم مـن حيـث الفراغـات الحضـرية والمسـاحات الخضـراء وأثـاث الشـوارع والطـراز المعماري، وينعكس على جمال واجهات المباني ولوحـات الإعـلان ومظـلات المحـلات التجاريـة وأرصـفة الشـوارع، والخـدمات والمرافـق العامة مثل مواقف السيارات، دورات المياه، المظلات، وأماكن الجلوس وغيرها كثير.

ومن خلال تحديد للعناصر الواجب العمل عليها للرفع من مستويات تحسين التشوه البصري التي لدينا قامت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في المملكة العربية السعودية بوضع معايير لتقييم المدن السعودية ويكون لها خط أساس للتشوه البصري، ومن خلال المعايير القياسية للتشوه البصري التي وضعتها وزارة الشؤون البلدية والقروية والاسكان اتضح ضرورة معالجة (17) مظهرًا مسبباً للتشوه البصري يتم التعامل معها من خلال مبادرة تحسين المشهد الحضري، والتي تعتبر من أهم المبادرات التي تقوم عليها الوزارة وتهدف المبادرة إلى تحسين المشهد الحضري في المدن السعودية من خلال تقليص عناصر التشوه البصري عن طريق إزالة مخلفات البناء، تحسين مظهر حاويات النفايات، إزالة اللوحات التجارية المخالفة، إزالة السيارات التالفة، إزالة الكتابات على الجدران، إزالة المظلات والهناجر الحديدية المخالفة، الحد من وتنظيم ظاهرة الباعة الجائلين، تقليم الأشجار وضع الحواجز العازلة على مواقع البناء، تسوير أراضي الفضاء واستغلالها كمساحات إعلانية(تتضمن صياغة نظام جديد يلزم اصحاب الأراضي الفضاء برصفها وتسويرها، أو استغلالها بأساليب مناسبة، كالاستفادة من الحواجز في الدعاية. الخ)، وتنفيذ حملات تفتيشية من حين لآخر، وتنفيذ حملات للشراكة المجتمعية للمشاركة في إزالة بعض هذه العناصر، وتنفيذ مشاريع تحسين عمراني لمحاور الحركة في المدن، أي أننا بصدد مدن سعودية خالية من عناصر التشوه البصري (في المدى القصير) ومحاور حركة محسنة عمرانياً (على المدى المتوسط).

ومع الأخذ في الاعتبار أن تحسين المشهد الحضري (معالجة التشوه البصري) يمر ببعض الصعوبات نذكر منها على سبيل المثال:

1_ صعوبة الحصول على بعض المعلومات والحالات الدراسية وصــعوبة التصــوير فــي المنطقــة نظــرًا للفضــول الســائد، بجانــب بعــض المسائلات حــول الجهة التي تريد التصوير والهدف من التصوير

2_ عـدم الاهتمـام سـواء مـن المـواطنين أو الجهـات المختصـة بوضـع التشوه البصـري وأثـره النفسي على المواطنين مما يقلل من الجدية مع التعامل مع مثل هذه المواضيع

3_ عدم التعاون من خلال بعض الجهات ومن خلال السكان في المنطقة قيد الدراسة.

4_ عدم احترام اللوائح والاشتراطات وخاصة المتعلقة بخطوط الملكية.

5_ ظهور المناطق المتخلفة عمرانيًا التي نتجت عن العديد مـن التغيـرات الكبيـرة المواكبـة للزيـادة السـكانية فـزادت رقعتهـا العمرانية بشـكل غيـــــر متوافـــــق مـــــع ملامحهـــــا وخصائصـــــها الحضـرية.

6_ سوء التعامل مع موضوع النفايات وكل ما يتعلق بها.

7_ اختلاف أهمية تنفيذ المشروعات عند الجهات المعنية.

ولضمان نجاح المبادرة أرى ضـرورة التعامل مع هذه الظاهرة بطريقه مختلفة من التحسين المباشر والغير مباشر، وأن يكون من خلال وضع إطار عام لخطة زمنية مرحلية للانتقال من الأوضاع الراهنة إلى الأوضاع المأمولة، وبحيث تتماشى مع زيادة الوعي العام ورفع كفاءة القائمين على التصميم والتنفيذ والمتابعة وبالتالي يمكننا رفع مستويات الأحياء السكنية بالتدريج ويمكن لهذا الإطار أن يشتمل على:

  • تكوين فريق متخصص بالتخطيط والتصميم العمراني ومتدرب على كيفية التعامل مع التشوه البصري وإعداد دليل مبسط لشرح أساليب التعامل معه.
  • وضع قوانيين وأنظمه خاصه للتشوه البصري.
  • وجود فريق متخصص لتـرميم وصـيانة المبـاني الحضـارية والثقافية.
  • تحديد مجموعه من الأحياء السكنية بمعايير تكون مستهدفه لرفع مستوي التشوه البصري فيها.
  • الارتقاء بتخطيط الأحياء المستهدفة والحفاظ على المداخل والمخارج للحي والتدرج الهرمي للطرق والحركة الأمنه للمشاة.
  • إعادة تصميم فرش الشوارع.
  • تصميم طريقة تنظيف ونقل النفايات.
  • الحفاظ على خط الملكية ووضع قانون شديد للحفاظ عليها.
  • وضع مده لتنظيف واجهات المباني من الأسلاك والألوان والتشوهات، الموجودة عليها وتنظيف الأسطح من التشوهات.
  • نظراً لوجود شوارع تجاريه داخل الحي فلابد من وضع اشتراطات صارمة تنظم اللوح الإعلانية من حيث الشكل والمكان وأسلوب إعداد المحتوى وبصورة لا تؤثر على شكل واجهات المباني.
  • تشكيل فرق متابعة للتأكد من تطبيق اللوائح والضوابط والاشتراطات وتفعيل دورها الرقابي خاصة في جزئية عدم اخراج أي بضائع على الأرصفة.
  • وضع قوانيين صارمه وقوية لمخلفات البناء ووضع مراقبه ذاتية على المباني التي تحت الإنشاء أو الترميم.
  • إعداد وعقـد النـدوات والمـؤتمرات وورش العمل وتنظـيم حمـلات لتوعيـة الرأي العام وتوضيح وتأكيد دور الأفـراد بالحفـاظ علـى العناصـر البصـرية والتعريف بالاسـتخدام الصـحيح واحترام القوانين.

وقبل هذا كله لابد من أن نعرف أنه من الصعب جدًا تنفيذ ذلك ونحن في نظام التنمية القطاعية وهناك ضرورة حتمية للتحول إلى التنمية المكانية، ووضع خطه للاستمرارية والصيانة فلقد سبق وأن رأينا كم هائل من المشاريع كان لها تميز، واليوم تعتبر من أكبر مصادر التشوه البصري بسبب عدم وجود استمراريه وصيانة لها.