التوازن الاقتصادي بين المدن الكبيرة و المتوسطة


السبت 2021-10-09

اختلف تعريف المدينة من فلسفة الى فلسفة أخرى، وبين كل فترة زأخرى يظهر تعريف للمدينة ولكل علم يتم تعريف المدينة بما يراه ذلك العلم، ومن ضمن تلك التعريفات كان تعريف المدينة بأنها نظام حي يعيش فيها أناس دائما في مكان محدد، بحيث تتوفر فيها جميع أنواع مكونات الحياة الإنسانية والجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

يهتم علماء الاقتصاد بالبحث في المشاكل الحضارية ومدى علاقتها بالاقتصاد المكاني حيث أصبح الاقتصاد الحضري يُشكّل جزءا أساسيا في تخطيط المدن والتنمية المستدامة.

ويمتاز اقتصاد المدن بمجموعة من القضايا والمشاكل المتعلقة بالمدن والمناطق الحضرية، والتي نتجت عن سرعة النمو والتحضر، كما ركز على العلاقات والأنشطة الاقتصادية التي تتأثر بمجموعة من الخصائص المكانية في المدينة التي تؤثر فيها حجم المدينة وكثافتها السكانية وهيكلتها العمرانية ونمط استعمال الأراضي فيها، كما يقوم على دراسة عوامل قوة الجذب والطرد للأنشطة الاقتصادية والسكان التي تعمل بدورها على النمو والانكماش في المدن، كما هو معرفة باتجاه التغيير والتنمية في المناطق الحضرية.

من أهم القضايا التي تناولها علم اقتصاد المدن هو حجم المدينة الأمثل وعوامل تركز السكان في المدينة والأنشطة الاقتصادية في المدينة وعوامل النمو والانكماش في المدن والمشاكل التي تترتب على العوامل في المناطق الحضرية، مثل مشكلة النقل والبيئة والسكان، فلو رجعنا الى الوراء لوجدنا ان ظهور معظم المدن اما بسبب تبادل تجاري او مدن سياسية او مدن زراعية او مدن الموانئ، وبعد النهضة الصناعية بدأت تظهر المدن الصناعية ومدن الخدمات، واظهرت هذه المدن نظريات تخطيطية جديدة، وبدأ تضخم المدن وظهور المدن المليونية مما جعل الهجرة الى تلك المدن، فاصبحت المدن المتوسطة والصغيرة لا يكن لها النصيب الأوفر من الاهتمام الاقتصادي.

ومن هنا نجد ان معظم الاقتصاديين والمخططين ركزوا الاقتصاد على المدن الكبيرة، مما ساعد على الهجرة اليها وجعل المدن الكبيرة مثل كرة الثلج كلما زاد الاقتصاد فيها زادت الهجرة السكانية، هذا مما جعل المدن الكبيرة قابلة لزيادة البطالة فيها، ونقص في الخدمات، والتشوه البصري الكبير، ومشاكل في الطرق والمواصلات.... وغيرها، كما أصبح سكان المدن الكبرى عُرضة -على وجه الخصوص- للتأثر بتلوث الهواء " ومع تفشي مرض كرونا تبين سهولة وسرعة تفشي المرض في المدن الكبيرة عنها في الصغيرة، وأيضا الكثافات العالية كانت نقط ضعف".

هذا مما جعل ظهور الضواحي والمدن الجديدة لتخفيف العبء عن المدن الكبيرة، ولكن نجد ان السياسيين والاقتصاديين لهم ضغط على المخططين في التركيز على العواصم والمدن الكبيرة، وذلك لأنها هي الواجهة للسياسيين، مما حفز لظهور العواصم الجديدة، وذلك لتخفيف العبء على العواصم القائمة.

ومما لا شك فيه ان اي مدينة لابد من ان تنموا على الاقل بقاعدة اقتصادية واحدة قوية تساعد على نمو المدينة ويكون لها تاثير على الناتج المحلي للدولة، وهنا يأتى دور التوزيع الاقتصادي على المدن والتوازن السكاني داخل المدن، والحد من الهجرة.

ولكى نصل الى ذلك، لابد من تغير بعض النظريات التخطيطية في وضع الاستراتجية العامة لاقصاديات المدن، بحيث يكون التركيز على المدن المتوسطة و الصغيرة، وذلك بما أن تكاليف تطوير المدن المتوسطة والصغيرة تكون ضئيلة، ولها تاثير كبير، فعلى سبيل المثال لو اردنا شق طريق في اي مدينة كبيرة، ستكون التكلفة ملايين بل تصل الى مليارات وربما لا تحل مشكلة كبيرة في المواصلات، او لا يكون له تأثير في المدينة، ولكن في المدن المتوسطة والصغيرة، فربما باقل من ربع المبلغ يمكن تغير شكل المدينة كاملة.

ومع تطور المدن و نظريات المدن المستدامة والمدن الذكية نجد انه من السهل جدا تحويل المدن المتوسطة الى مدن ذكية بتكاليف اقل بكثير من تكلفة حي في المدن الكبرى، وهنا يأتى دور الاستراتيجية العمرانية للدولة والخطط المستقبلية لـ 25 سنة قادمة، وكيفية التوازن الاقتصادي والسكاني للمدن وعملية الهجرة العكسية للمدن المتوسطة وتخفيف الضغط على المدن الكبرى.

ومن ضمن الحلول التي استخدمت للهجرة العكسية عمل قاعدة اقتصادية قوية " جامعة ـ مصانع ـ مستشفيات ـ مواني ....الخ "  والعمل على البنية التعلمية الجيدة، تخدم القاعدة الاقتصادية في المدينة والبنية التحتية متكاملة والحوافز السكنية مما يجعل الاستقرار في المدن المتوسطة هدفا للشباب للاستقرار والعيش في هذه المدن، كما يمكن للمدن الكبرى الاعتماد على المستثمرين في التنمية وتحويلها الى مدن ذكية حيث انها قوية اقتصاديا، مما يجعلها جاذبة للمستثمرين وتوجه ميزانيات الدولة للمدن المتوسطة والصغيرة لرفع مستوي التنمية وتحويلها الى مدن ذكية وتحسين مستوي المعيشه فيها؟

ومع الرؤية المستقبلية للمدن "شدد منتدى الرياض الاقتصادي، الذي اختتم في 24ـ1ـ2020 ،على تبني 10 مبادرات ترتكز على استراتيجية بناء وتطبيق اللامركزية، ورفع كفاءة المجالس والأجهزة، لتقنين الهجرة العكسية، من خلال إطلاق مشروعات تنموية ولوجستية ومؤسسات تعليمية تقلل بطالة سكان المناطق النائية" ، وتعتبر خطوة ايجابية لوضع الاستراتجية الاقتصادية للمدن التي تقوم على اساس توزيع القواعد الاقتصادية للمدن و المستهدف من السكان لكل مدينة و ربطها بالاستراتجية العمرانية للدولة.