تأمُّل في الآية 64 من سورة هود


الخميس 2018-10-25

مجلس حكيم الزمان
بقلم / صديق صالح فارسي

(وَيَاقَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ)

أعطاهم الله ناقةً عظيمة تسقي القرية كاملها باللبن، ولم يُكلّفهم بمؤونتها، فهي تأكل في أرض الله، وأنذرهم من أن يمسّوها بسوء.

فيأخذهم عذابٌ قريب أي سريعٌ من الله، لا إمهال فيه فهذا من الإبتلاء بالنعم، فعندما تأتيك النعم ويتيسر لك حصولها، من بركة في المال، أو التجارة، أو الزراعة، أو الأَنْعَام أوغيرها من بيت تأوي إليه، أو وظيفة مرموقة، عمل أبدعت فيه، أو سيارة تتنقل بها ، أو أبناء وأهل وعشيرة تعتز بهم.

 فأعلم أنها من فضل الله تعالى يمنّ بها على من يشاء من عباده، والمطلوب هو شكرها، وألا تمسّوها بسوء فإستعمال النعم في غير ما يرضي الله هو من مسّها بالسوء، الذي قد يترتب عليه العذاب القريب السريع من الله، فمن آتاهُ الله شيء من هذه النعم، فعليه أن يؤدي شكرها بإستعمالها فيما يرضي الله تعالى، وألا يمسّها بسوء.

فكلما دعتك نفسك إلى إستعمال نعمة من نعم الله عليك في غير طاعة الله تذكّر قوله تعالى :- (ولاتمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب)

فأحفظو النعم بشكر الله عليها، وعدم مسّها بالسوء 

(وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ)

لازلنا نتأمّل في قوله لا تمسّوها بسوء، لأن نعم الله غالية عزيزة ليست لما تحقّقه لنا من فوائد ومنافع في الحياة فقط ، إنما لأنها هبة الله تعالى لخلقه، فنعظمها ونقدرها ونحافظ عليها ونحبها، بتعظيمنا وحبنا للمنعم بها علينا، وهو الله الواحد الأحد، واهب النعم، ومجزل الهبات لخلقه سبحانه والله تعالى غيور على نعمه، لا يرضي لنا جحودها وكفرها، إنما يرضى لنا شكرها

 (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ)

كما لا يرضي لنا أن نمسّها بسوء ،وتوعد سبحانه من مسّها بسوء بعذاب قريب أي عاجل وسريع في الدنيا

ومن أعظم نعم الله علينا بعد الإسلام، هو نعمة خلق النفس البشرية بيده، فمن أحياها بالمحافظة عليها فكأنما أحيا الناس جميعاً، ومن قتلها بأن تسبب في مسّها بالأذى فكأنما قتل الناس جميعاً

نشاهد بعض المدخنين، أو المدمنين على شيء من العادات السيئة، وهم يعلمون بضررها على النفس فيمسّونها بالأذى، فينزل بهم من العذاب القريب، من المرض، والشقاء، ومشاكل في أنفسهم وأهليهم وأرزاقهم، ربما كان ذلك من العذاب القريب الذي وعده الله من قد مسّ نعمتهُ بالسوء

ونسأل الله أي يصرف عنا وعنهم العذاب الغليظ في الآخرة